القفز إلى المجهول!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 10 أغسطس 2018 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

تلقف فريقان المبادرة التى طرحها قبل أيام قليلة، الدبلوماسى السابق معصوم مرزوق، والتى طالب فيها بإجراء استفتاء شعبى عام على بقاء نظام الحكم الحالى، بشكل عكس قناعات ومصالح وحسابات كل منهما، وطريقة تموضعهما فى المشهد السياسى الراهن، لكنهما لم يقتربا على الإطلاق من المناقشة الجادة، لما جاء فيها من أفكار، باستثناء بعض الكتابات المتناثرة على صفحات الفضاء الإلكترونى.
الفريق الأول وهو المؤيد بالتأكيد للسفير معصوم، استقبلها بترحاب بالغ، واعتبرها «بوابة الخروج» من الأزمة الراهنة، وانه لا حل للمأزق الاقتصادى الذى تمر به البلاد سوى هذا الأمر، فيما كان بعض المؤيدين أكثر حذرا، ووصفوا المبادرة بأنها مجرد «إلقاء حجر» فى مياه الحياة السياسية الراكدة، وان الدبلوماسى السابق «يقدم اسهاما جادا بحثا عن مخرج لأزمة مصر المستحكمة».
أما الفريق الثانى وهو المعارض للمبادرة، فقد استقبلها بغضب بالغ، ووضعها فى سياق «اثارة الفتن والبلبلة والفوضى فى البلاد»، وتقدم بكثير من البلاغات التى تطالب بمحاكمة الرجل بتهم التحريض على قلب نظام الحكم، ومخالفة قانون التظاهر بدعوة الشعب للتظاهر بميدان التحرير للاستفتاء على نظام الحكم الحالى، والتواصل مع المنابر الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان الدولى من أجل الترويج لمبادرته.
بعيدا عن هذين الفريقين اللذين باعدت بينهما التغيرات والتطورات السياسية التى حدثت فى مصر منذ يونيو 2013، ولن تقربهما مرة أخرى فى المدى المنظور، فإن هناك ملاحظات كثيرة على ما ذكره الرجل، ينبغى التوقف أمامها قبل الحكم على المبادرة وأثرها على الوضع العام فى البلاد.
الملاحظة الأولى ان مثل هذه المبادرة وغيرها من المبادرات المشابهة التى تم اطلاقها فى السنوات الأخيرة، تثبت ان النخبة فى مصر، لا تزال تعمل وفق «كتالوج» سنوات الثورة التى شهدها العقد الحالى، ولم تجتهد فى البحث عن أفكار «خارج الصندوق».. ذلك ما أتى به السفير معصوم، الذى ردد ما كان سائدا فى عامى 2011 و2013، مثل الاستفتاء على بقاء الرئيس ومجلس انتقالى وإجراء التعديلات اللازمة فى قوانين الانتخابات والمواد الدستورية ذات الصلة، وهو ما يجعل أى مواطن عادى يسمع ذلك يقول على الفور «شفت الفيلم ده قبل كده».
الملاحظة الثانية أن مبادرة السفير السابق، تتضمن استدعاء ميدان التحرير مجددا إلى المشهد، وهو استدعاء خطر للغاية بعدما جرت فى النهر مياه كثيرة منذ عام 2011، جعلت من يتنبى هذا الرأى أو ذلك التوجه وحيدا منبوذا فى نظر قطاع كبير من المواطنين، يعتقد إلى حد الجزم، بأن «الهبتين الثوريتين» اللتين حدثتا فى البلاد خلال السنوات السبع الأخيرة، تتحملان جانبا كبيرا من مسئولية الأزمة الاقتصادية الخانقة التى يواجهونها فى الوقت الراهن.
الملاحظة الثالثة أن المبادرة خلقت وولدت ميتة إلى حد كبير، بعدما تضمنت ما يفرق الناس ويجعلهم يختلفون عليها، ولم تبدأ بما يمكن ان يكون سببا فى تجميعهم، مثل رفض أى تعديل أو تلاعب بمواد الدستور، أو التضييق على المجال العام وتدجين وسائل الإعلام، أو الضغط على الحكومة للإعلان عن انحيازها للطبقات التى مسها خط الفقر جراء برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى يتم تنفيذه منذ عامين، وإجبارها على اتباع سياسات اقتصادية أكثر عدلا فى توزيع أعباء هذا البرنامج، والتوقف عن الانفاق على مشاريع لا طائل من ورائها واتباع اجراءات تقشف حقيقية تشعر المواطن العادى بانه ليس فقط هو من يدفع الثمن المؤلم لفاتورة الإصلاح.
مبادرة معصوم مرزوق ليست «بوابة الخروج» من الأزمة، لكنها ــ فى تقديرى ــ محاولة متسرعة للقفز إلى المجهول، قد تدفع بالبلاد ــ حال الترويج لها ــ إلى مأزق خطير لا يمكن ان تخرج منه فى المدى المنظور، وتعمق من أزمتها الاقتصادية الراهنة، وتضعف قوتها فى مواجهة الإرهاب وجماعات الظلام المتربصة بمصر وأهلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved