تصاعد اليمين الأبيض

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 10 أغسطس 2019 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب أسعد عبدالرحمن، جاء فيه ما يلى:
عاد مجددا ملف تيار اليمين المتطرف فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى صدارة الأحداث والاهتمامات العالمية. فهذا التيار يؤمن بأن الدولة القومية يجب عليها التخلص من مواطنين آخرين فى البلد ذاته، على أساس أنهم عناصر «أجنبية» تضعف الأمة من الداخل! وفى هذا السياق، جاءت الأحداث الأخيرة لتظهر كيف تنبعث من جديد مجموعةٌ متعصبة كان ينظر إليها ذات يوم على أنها هامشية داخل الولايات المتحدة، وهو انبعاث ربما سهله (بل عززه) مضمون الخطاب السياسى والإعلامى السائد.
والحال كذلك، ليس أمرا مستغربا أن تشهد الولايات المتحدة، الأسبوعَ المنصرم، حادثى إطلاق نار جماعى خلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة. بل مما يثير الانتباه هنا، حسبما رصدت «منظمة أرشيف العنف المسلح»، أن الحادثين يحملان رقمى 250 و251، فى قائمة حوادث إطلاق النار الجماعى بالولايات المتحدة خلال عام 2019 وحده. ويأتى هذا فى أحد أكثر الأيام دموية فى الولايات المتحدة حيث قتل عشرات الأشخاص. وقد شددت «المنظمة»، غير الحكومية آنفة الذكر، أن حوادث إطلاق النار الجماعى «باتت عملا شائعا فى الولايات المتحدة»، ولفتت إلى أن البلاد شهدت «33 ألف حادثة عنف مسلح وتهديد باستخدام السلاح خلال العام الحالى وحده».
وطوال العقود الماضية، تجاهلت الاستراتيجيات المحلية لمكافحة التطرف تنامى خطر «اليمين المتشدد جدا». وفى أجواء اللامبالاة هذه، فشلت الأجهزة الأمنية فى رؤية الخطر الذى باتت تشكله «جماعات اليمين المتطرف» أو «الجماعات القومية البيضاء». وحتى مجزرة نيوزيلندا المستوحاة من الكراهية المنتشرة فى صفوف اليمينيين البيض الأمريكيين، قلل من شأنها البعض معتبرا إياها «مشكلة صغيرة». وفى معرض تبسيطه للظاهرة، اعتبر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أن مشكلة الأمراض العقلية هى السبب الرئيسى لعمليات القتل الجماعية الجديدة فى الولايات المتحدة، وأشار إلى أن المجرمين يعانون من مرض عقلى خطير للغاية، وأنهم يواجهون المشكلة نفسها «لسنوات». وعلى الرغم من أنه أدان «نزعة تفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية»، وطالب بإعدام مرتكبى عمليات القتل الجماعية «بسرعة».. فقد تجاهل موضوع انتشار الأسلحة حين قال: «المرض العقلى والكراهية هما اللذان ضغطا على الزناد»، أى أن الخطأ فيهما وليس فى السلاح وتوفره، مع العلم أن نقابة الأسلحة الفردية تغدق على مرشحى الحملات الانتخابية الجمهورية أموال الدعم والتبرع.
لكن المراقبين يتساءلون: لماذا كل هذه الحوادث فى الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وليس فى باقى المجتمعات الغربية الصناعية الأخرى ذات الثقافة المشابهة؟!
الفكرة الرئيسية التى يعتنقها المتطرف اليمينى، حيثما كان، هى أن الدولة القومية (وهى تحكم نفسها) عليها التخلص من العناصر «الأجنبية» التى تضعفها من الداخل، حتى تستطيع توفير العدل والرخاء لمواطنيها الطبيعيين، أى البيض تحديدا، فى مواجهة «عدو» خارجى يتكون من اللاجئين والمهاجرين. وبعبارة أخرى، فإن اعتقاد القوميين البيض فى هذا الشأن يقوم على سيناريو الخوف من فناء العرق الأبيض بشكل أساسى، بسبب وصول غرباء «آخرين» وصعودهم اجتماعيا واقتصاديا داخل المجتمع ذاته. ويزعم القوميون البيض أن التهديد كبير للغاية، بحيث إن العنف الشديد ضد هذا العدو المفترض ليس مبررا فحسب، بل هو مطلب ضرورى من أجل حماية البلاد والمجتمع مما يرونه تهديدا وجوديا لهما معا.
وبالمقابل، وفى حمأة نقاش متجدد، قال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكى، النائب الديمقراطى عن ولاية كاليفورنيا، «آدم شيف»، إن «الإرهاب الذى يمارسه متطرفو البيض خطر قائم وحقيقى. ليس علينا أن نعيش هكذا. لا نريد أن نترك إخواننا الأمريكيين يموتون هكذا. الحقيقة البشعة هى أن إرهاب أنصار تفوق العرق الأبيض خطر حقيقى وداهم. وعندما يستخدم بعض القادة لغة عنصرية أو مهينة لوصف المهاجرين على أنهم غزاة، فإن رجالا مسلحين غاضبين ومعزولين يستمعون ويتخذون ما يرونه من إجراءات مناسبة».
كما اعتبرت مسئولة الأمن القومى السابقة بوزارة العدل الأمريكية، «مارى ماكورد»، أن ما تشهده الولايات المتحدة من عنف مسلح يمثل «مشكلة أخلاقية». وقالت، فى تصريحات صحفية، إن «الهيئات الأمريكية العامة ووكالات إنفاذ القانون، لا تتعامل مع الهجمات الجماعية الداخلية، بما فيها تلك المرتبطة بالعنصرية ومعاداة السامية، بالاهتمام والإدراك نفسه اللذين تتعامل بهما مع الهجمات التى ينفذها أجانب». وختمت قائلة: «يميل الأمريكيون إلى ربط الإرهاب بالتطرف الإسلامى، ولا يحاولون ربطه بجماعات تفوق العرق الأبيض، وهو ما يتعين عليهم فعله الآن».
لقد أظهر اليمين الأمريكى المتطرف درجة عالية من حركية التنظيم ومن قوة التأييد لسيادة البيض فى الولايات المتحدة. ويبقى من غير الواضح حتى الآن كيف ستتعامل الولايات خلال المستقبل القريب مع المساعى الرامية لتكريس تفوق العرق الأبيض. وفى هذا السياق، استخلص تقرير لـ«إن بى سى نيوز»، كتبه «سايمون كلارك»: «نحن نعلم بالفعل أن هذه الظاهرة حقيقية ومتنامية، فقد تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى (كريستوفر وراى) أمام الكونجرس، العام الماضى، وأكد أنه للمرة الأولى يحقق المكتب فى أكبر عدد من القضايا الإرهابية اليمينية المتطرفة، التى كان مصدرها من الداخل، مثلها فى ذلك مثل قضايا المتطرفين فى الدول الإسلامية».

الاتحاد ــ الإمارات

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved