يوم كان العالم كله أمريكيًا

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الأحد 11 سبتمبر 2011 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

«كلنا أمريكيون» كان هذا مانشيت صحيفة لوموند الفرنسية ذات التاريخ الطويل فى انتقاد السياسة الخارجية الأمريكية صباح يوم 12 سبتمبر 2001.

 

وكان اختيار محررى الصحيفة لهذا العنوان عاكسا لحالة التعاطف العالمى ردا على وقوع هجمات 11 سبتمبر القبيحة. ولم يقتصر التعاطف العالمى على الأصدقاء فى القارة الأوروبية، بل امتد هذا التعاطف لمختلف أنحاء العالم، وخرجت جموع من الشعب الكوبى للتبرع بالدم للأمريكيين رغم الحصار الأمريكى، وتراث العداء بين الدولتين، كذلك قام الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات بالتبرع بدمه أمام شاشات التليفزيون رغم مرضه وكبر سنه.

 

إلا أن حظ أمريكا كان شديد السوء، فبدلا من وجود إدارة تستغل هذا التعاطف غير المسبوق من أجل تشكيل تحالف دولى لمواجهة تهديد تنظيم القاعدة حول العالم، كان هناك إدارة على رأسها جورج بوش وديك تشنى ودونالد رامسفيلد وجون أشكروفت فى البيت الأبيض، وقامت بدلا من ذلك بتخيير العالم إما مع أمريكا أو ضدها.

 

وردا على هجمات 11 سبتمبر، اعتمدت إدارة بوش على إستراتيجيتين أساسيتين سببتا عداء الكثير من الشعوب، الأولى تتعلق بمحاربة الإرهاب العالمى، وتمثل ذلك مع جر الشعب الأمريكى لحرب، رآها أغلبه مبررة، فى أفغانستان، وبعد أقل من ثلاث سنوات أوقعتهم ذات الإدارة فى حرب أخرى، رأتها الأغلبية غير مبررة، فى العراق. ومازالت أمريكا متورطة فى احتلال الدولتين بدون تحقيق أى مكاسب إستراتيجية بخلاف القضاء على تنظيم القاعدة ككيان مؤسسى.

 

الاستراتيجية الثانية اعتمدت على الحديث عن الترويج للديمقراطية فى الدول الإسلامية، ولو باستخدام السلاح، باعتباره إحدى دعامات الأمن القومى للولايات المتحدة. فى الوقت نفسه تعاملت إدارة بوش ومن بعدها إدارة أوباما مع حكام ديكتاتوريين لإيمانهما بأنهم يقومون بدور مهم فى محاربة الإرهاب الدولى، وخدمة مصالحها، وتجاهلت حقيقة أن ظهور الإرهاب يعود فى بعض الحالات لوجود هذه النظم غير الديمقراطية.

 

واليوم، ومع اكتمال السنوات العشر على ذكرى وقوع هذه الهجمات، يدعى الكثيرون أن واشنطن مازالت تقف منتصرة فى حربها العالمية على الإرهاب!

 

إلا أن نظرة على حقائق الأوضاع داخل أفغانستان، وفشل حلف الناتو فى فرض الاستقرار والتنمية هناك، وهو ما يستلزم بقاء الاحتلال الأمريكى على أقل تقدير حتى نهاية عام 2014 لا يشير إلى أى نجاح. أما العراق فقد أصبح يخضع لنفوذ إيرانى غير مسبوق، كما لم يسمح العراقيون للشركات الأمريكية بالسيطرة على قطاع النقط، واستغلال خيرات البلاد، كما كان يأمل الكثير من ساسة الولايات المتحدة.

 

أما رفض الشعوب العربية لجهود الترويج الشكلية للديمقراطية المفروضة أمريكا فقد جاء صادما لإدارة بوش، وقتلت ثورات العرب محلية الهوية، والمستمرة منذ نهايات العام الماضى وحتى الآن، كل الدعاوى الأمريكية الكاذبة فى هذا المجال.

 

وبعد رحيل إدارة بوش، جاء انتخاب رجل من أصول أفريقية وأصول مسلمة بمثابة أمل وخلاص للكثيرين داخل وخارج الولايات المتحدة. إلا أن واقع السياسة المر وقف مانعا أمام تحقيق وعد أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو، الذى قطعه على نفسه فى أول أيام حكمه، كما لم يستطع أوباما إنهاء الحرب فى أفغانستان ولا سحب كل القوات الأمريكية من العراق.

 

ويقف ادعاء الانتصار الأمريكى قاصرا عن تبرير ما آل إليه وضع الداخل الأمريكى، فاقتصاديا كان متوسط سعر جالون البنزين صباح يوم 11 سبتمبر 1.57 دولار، أما اليوم 11 سبتمبر 2011، فيبلع السعر 3.74 دولار للجالون، أى أن هناك زيادة بلغت 238% خلال العشر سنوات الماضية. وهذه الصورة تلخص ما يشعر به الشعب والحكومة الأمريكية من قلق متزايد مما آل إليه الوضع الاقتصادى. وتعد قضية إيجاد وظائف للأمريكيين أكثر أهمية من أى حديث عن ذكرى حوادث 11 سبتمبر هذا العام بعد وصول عدد العاطلين فى سن العمل إلى 14.2 مليون أمريكى، هذه بالإضافة للتسبب فى الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 والتى امتدت آثارها لكل العالم ومازالت مستمرة حتى اليوم.

 

أما حال الديمقراطية الأمريكية فيجعلك تشعر أن هناك خطرا حقيقيا على هذه الأمة العظيمة. ولطالما افتخر الأمريكيون بديمقراطية بلادهم كونها أحد أنجح الديمقراطيات فى العالم، إلا أن سجل ملفات التعذيب والسجون السرية ونقل المعتقلين قصرا، وهى أساليب تتبع منذ 11 سبتمبر، يعارض نص التعديلين الخامس والسادس من وثيقة الحقوق التى تعتبر جزءا أساسيا من الدستور الأمريكى، وتقضى بعدم قانونية احتجاز أى شخص للاستجواب حول أى جريمة كبرى أو جريمة شائنة إلا بتقديم أو توجيه اتهام من هيئة المحلفين العليا. وجاء إقرار قانون الوطنية (باتريوت أكت) لمكافحة الإرهاب بمثابة عار على الديمقراطية الأمريكية.

 

تنتهك بعض الحريات المدنية تحت مسمى حماية الأمن القومى، ويبدى المدافعون عن الحريات المدنية خوفا مفهوما من أن تؤدى تلك السوابق إلى ظهور قيود من النوع المفروض فى الدول البوليسية على الحريات الشخصية فى الولايات المتحدة، وزادت جهود جمع المعلومات الاستخباراتية المحلية، رغم رفض الكونجرس فكرة قيام جهاز استخبارات داخلى مستقل.

 

سلوك واشنطن بعد 11 سبتمبر أضاع تعاطف العالم مع الولايات المتحدة، إلا أن واشنطن ضحت بذلك طمعا فى خدمة مصالح خارجية، ورغبتها فى تحقيق أمان داخلى.

 

ويذكرنى هذا كله بمقولة أمريكية عمرها يقترب من مائتى عاما، قالها أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بنجامين فرانكلين، ونصها Those Who Sacrifice Liberty For Security Deserve Neither. «هؤلاء الذين يضحون بالحرية مقابل الأمن.. لا يستحقون كليهما».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved