ما هى «أخْوَنة» الدولة؟.. ولماذا نخشاها؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 11 سبتمبر 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

«أخونة» الدولة هى موضوع الساعة ومصدر توجس لدى الكثيرين من أن تكون جماعة الإخوان المسلمين فى طريقها للسيطرة على مصر وعلى مؤسساتها. فما معنى ذلك؟ وهل هناك فعلا ما يدعو للقلق؟

 

إذا كان المقصود بـ«الأخونة» هو أن يكون الوزراء والمحافظون وشاغلو المناصب التنفيذية العليا من المنتمين أو القريبين من جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة فهذا أمر طبيعى ولا يمثل خروجا على المسار الديمقراطى الصحيح ولا يوجد ما يدعو للقلق منه. الفائز فى انتخابات برلمانية ثم رئاسية (ولو بفارق بسيط) من حقه ومن واجبه أن يحكم وأن يسعى لتطبيق السياسات والبرامج التى وعد الناس بها. وبغير ذلك فلا تكون ديمقراطية ولا انتخابات ولا مسئولية ولا محاسبة. ولذلك فالانزعاج من «أخونة» الحكومة فى غير محله. المشكلة أن الحكومة شىء والدولة شىء آخر تماما. ولذلك فإن كان تعيين الوزراء والمحافظين من الحزب الحاكم يعبر عن التطبيق السليم للديمقراطية، فإن السعى للسيطرة على مؤسسات الدولة الإعلامية والمدنية والقضائية والأمنية وغيرها لا علاقة له بالديمقراطية من قريب أو بعيد، بل يهدم استقلال وحيدة المؤسسات العامة ويمهد لاستمرار سيطرة تيار سياسى واحد على السلطة وإقصاء منافسيه.

 

هناك إذن حاجة للتفرقة بين الحكومة والدولة، وهى مسألة ليست سهلة ولا بديهية، ولكنها ركن من أركان الديمقراطية السليمة على نحو ما هو معروف فى كل بلدان العالم حيث توجد مناصب سياسية يجب أن تتغير مع تغير الحزب الحاكم وأن يشغلها «سياسيون» ينتمون للتيار الفائز فى الانتخابات، ولكن هناك أيضا مناصب أخرى فى الدولة لا ينبغى أن تتأثر بتغير الحكومات إما لأنها تمنح استقرارا للجهاز الإدارى وإما لأن طبيعة دورها تتطلب استقلالا عن الأحزاب وعن التيارات السياسية.

 

تطبيقا لذلك فإن الحزب الفائز بالأغلبية يأتى منه رئيس الجمهورية ونوابه ومساعدوه، ثم رئيس الوزراء والوزراء، ثم (فى بعض البلدان) المحافظون وبعض رؤساء الهيئات العامة المتصلة مباشرة بالعمل التنفيذى. وحكمة ذلك أن يتمكن الحزب الحاكم من تطبيق السياسات التى وعد الناس بها، وأن تتمكن المعارضة من رصد ومتابعة ونقد ما يقوم به، حتى تأتى انتخابات تالية فينال كل من الطرفين ــ الحكومة والمعارضة ــ نصيبه من أصوات الناخبين مرة أخرى، ويستمر التنافس على الحكم.

 

على الجانب الآخر فإن هناك مناصب عليا فى الدولة لا ينطبق عليها ما تقدم، ومنها:

 

•مناصب لا يتغير شاغلوها بتغير الحكومة أو الحزب الحاكم تعبيرا عن استقرار الجهاز الإدارى للدولة واستمراريته، ومنهم وكلاء الوزارات وكبار المسئولين فى الهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية، لأنهم يضمنون استمرار العمل وتقديم الخدمات للمواطنين دون أن يصاب الجهاز الإدارى بالشلل والاضطراب فى كل مرة تتغير فيها الحكومة. وفى بعض البلدان يكون للوزارة «مدير عام» (الوكيل الأول بالمعنى التقليدى) يتعاقب عليه الوزراء السياسيون ولكنه يظل فى موقعه لأن عمله تكنوقراطى أو فنى ولا يجوز له أن يعبر عن انحياز سياسى.

 

•ومناصب يجوز أن يشغلها من له انتماء أو انحياز سياسى ولكن التعيين فيها يكون إما بالانتخاب (مثلما هو الحال مع المحافظين ورؤساء الجامعات مثلا) أو بناء على اعتبارات مهنية وعلمية واضحة وموضوعية لا تتوقف عند الانتماء الحزبى (كما ينبغى أن يكون مع رؤساء البنوك والشركات العامة ورؤساء تحرير الصحف ومجالس إداراتها وغيرهم)، وبالتالى فلا يجوز أيضا استبدالهم مع تغير الحكومة أو الحزب الحاكم لأنهم يشغلون مواقعهم بحكم كفاءاتهم المهنية.

 

•ثم هناك مناصب لا يجوز أن يتولاها من له انتماء حزبى من أى نوع ــ مستتر أو معلن ــ لأنها تتعلق بأجهزة فى الدولة يجب أن تكون مستقلة بحكم القانون ولا يجوز أن يكون لها انحياز سياسى، إما لأنها تحفظ أمن الوطن وإما لأن لها وظيفة رقابية على باقى أجهزة الدولة وبالتالى يجب أن تظل مستقلة عنها. ويأتى على رأس هذه الأجهزة القوات المسلحة، والشرطة، والقضاء بكل أنواعه ودرجاته، والبنك المركزى، والجهاز المركزى للمحاسبات، والرقابة الادارية، والنيابة العامة، والسلك الدبلوماسى وغيرهم. فالقاضى قد يكون له موقف شخصى من قضايا معينة ولكنه لا يملك أن يكون منتميا لحزب، والسفير قد تكون له آراؤه الخاصة ولكنه يجب أن يظل ممثلا للدولة كلها وليس للحزب الحاكم، ورئيس جهاز المحاسبات أو الرقابة الإدارية قد يميل فى أعماقه لاتجاه فكرى معين ولكن عليه أن يراقب كل موظف فى الدولة بما فى ذلك رئيسها ورئيس وزرائها فلا يصح أن يكون «منتميا» لحزبه ولا أن يكون معارضا له.

 

•وأخيرا توجد مناصب ومواقع ينبغى أن تكون معبرة ليس عن حزب واحد وإنما عن التعدد والتنوع وعن تمثيل جميع التيارات السياسية والفكرية لأنها بطبيعتها مواقع تحقق تمثيلا متكافئا للشعب كله، ومن ذلك المجالس القومية لحقوق الإنسان، والمرأة، والإعلام، وبالطبع وقبل كل شىء الجمعية التأسيسية للدستور. فهذه مواقع لا تنفى الحزبية ولا الانتماء السياسى بل تنهض على التنوع وعلى التمثيل المتوازن لجميع التيارات السياسية والقوى الاجتماعية وتكتسب مصداقيتها من هذا التعدد ومن عدم سيطرة تيار سياسى واحد ولو كان صاحب الأغلبية.

 

لذلك فإن كان تعيين وزراء ومحافظين من التيار الإسلامى أمرا طبيعيا ومتسقا مع فكرة الديمقراطية، فإن السيطرة على الإعلام وعلى كتابة الدستور وعلى المجالس التى تحمى حقوق الإنسان والمرأة وحرية التعبير تتعارض مع ذات الفكرة وتخالفها. والأمر هنا لا يتعلق بالتيار الإسلامى وحده أو بغيره، بل بالمبدأ العام. نحن لا نزال على أعتاب تجربة ديمقراطية جديدة، وعلينا أن نضع قواعدها بشكل سليم ومحايد، وأن نضع أسسا سليمة للعمل السياسى ولدور كل من الحكومة والمعارضة، ولاستقلال مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والقضائية والإعلامية بشكل عام بغض النظر عمن فى الحكم اليوم ومن يحل محله غدا. والتغيير مطلوب، ولكن يجب أن يكون على أسس وقواعد تحقق توافقا فى المجتمع وتبعد شبح سيطرة تيار سياسى واحد على مؤسسات هى فى النهاية ملك لكل المواطنين.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved