العدالة الثقافية

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 10 سبتمبر 2014 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

مصطلح جذاب. كل ما له صلة بالعدالة يثير تطلعات وشجون. عدالة الفرص، عدالة التوزيع، عدالة فى توزيع المناصب، عدالة فى الأجور.. إلخ، كل ما له صلة بتقليل التمييز بين الناس يكون له سحر خاص فى العرض، والتناول والإعجاب.

حل مصطلح «العدالة الثقافية» ضيفا على ورشة عمل مغلقة بالمجلس الأعلى للثقافة، ضمت بالإضافة إلى قيادات وزارة الثقافة عددا من ممثلى الجمعيات الأهلية، التى تعمل فى المجال الثقافى. النقاشات كانت كثيفة، ومتنوعة. بالطبع اختلال التنمية بين مركز حضرى يستأثر بغالبية المتاح، وأطراف ريفية تعيش على المتبقى انعكس على مجال الثقافة التى تحظى المدن الكبرى بمعظم الإنتاج الثقافى، وتعيش القرى والمناطق النائية، وغيرها حالة جفاف ثقافى. هذه فقط صورة عامة لاختلال معايير العدالة الثقافية، لكن هناك مظاهر أخرى تتعلق بفئات معينة فى المجتمع، مثل متحدى الإعاقة، الفقراء، الخ.

كيف يمكن الخروج من هذه الحالة التمييزية؟

الدولة تستطيع أن تفعل، لكن المجتمع المدنى يستطيع أن ينتشر، ويتمدد، ويعبئ الجهود أفضل من الحكومة، بحكم تكوينه المؤسسى المرن، وقدرته على ترجمة الأفكار ــ دون تعقيد إدارى ــ فى خطط على الأرض، ومد جسور التواصل مع الناس، خاصة الأجيال الشابة. إذا حدث ذلك سوف لا نحقق العدالة الثقافية فقط، ولكن نكسر الاحتكار فى المجال الثقافى، وهذا هو الأهم من وجهة نظرى.

هناك نوعان من رأس المال الثقافى: رأسمال مغلق، ورأس مال عابر.

النوع الأول ــ أى المغلق ــ يمثل دائرة مغلقة على أصحابها، ممن يطلق عليهم المثقفون أو المبدعون، يشار إليهم بأنهم المثقفون، ويتحدثون فقط عن بعضهم فيما يشبه الحلقة المفرغة، ويتحرش بعضهم باللامعين من الأجيال الشابة خارج دائرة الاحتكار، وبالطبع فإن معظم الجوائز والكرامات الثقافية تذهب لهم لأنهم رموز ينبغى استدامة الاحتفاء بها.

النوع الثانى ــ أى العابر ــ هو نشوء علاقات مؤسسية، وتشابك بين جمعيات وهيئات، وأجيال من المبدعين، وتمتع قطاعات واسعة من المجتمع بالخدمة الثقافية، مما يسمح بالطبيب المبدع، والمهندس المبدع.. إلخ بحيث تتخلص الثقافة من طابعها الأكاديمى، المغلق، وتتحول إلى فضاء إبداعى، مثلما يحدث فى العديد من الدول المتقدمة ثقافيا.

تعريف المثقف فى مجتمعنا، كما فى الكثير من المجتمعات العربية، هو أحد مظاهر عدم العدالة الثقافية، لأنه يجعل فئة بحكم تخصص أكاديمى تمارس استعلاء معرفيا على الآخرين. من هنا فإن توسيع نطاق الإبداع فى المجتمع، وخروج مبدعين من مختلف التخصصات، وكسر احتكار هذه النخبة التى تعيد إنتاج نفسها تحت لافتة «نحن المثقفين»، هو أحد المداخل الأساسية للخروج من دائرة التهميش، وفتح منافذ الحراك الثقافى، وإتاحة الفرص أمام أجيال من المبدعين.

فى كل الأحوال تحية للأستاذين سيد محمود ورشا عبدالمنعم على تنظيم ورشة العمل، لأن طرح سؤال العدالة الثقافية فى هذه اللحظة مهما لاعتبارات متنوعة، أهمها أن تظهر أجيال جديدة من المبدعين خارج الدائرة المغلقة من أهل حرفة الإبداع!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved