طلقات فشنك

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 10 سبتمبر 2015 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

تمنيت أن أكون ضمن «فرقة الطبل والزمر» المنصوبة ابتهاجا بإعلان «الرئيس عبدالفتاح السيسى الحرب على الفساد»، لكن لأن من يعرف كثيرا يفرح قليلا، وجدت نفسى عاجزا عن الفرح والانشراح بمناسبة القبض على وزير الزراعة متهما بطلب رحلات حج وأشياء أخرى على سبيل الرشوة وكذلك بمناسبة القبض على بضعة أشخاص بالتهمة نفسها. فمن يعرف حقيقة التعديلات التى أدخلها الرئيس السيسى وحكومته على قوانين مكافحة الفساد مثل قانون الكسب غير المشروع ومواد التصالح فى جرائم المال العام، لن يفرح أبدا بالعناوين البراقة للصحف التى تحمل أنباء القبض على فلان أو علان فى جريمة فساد لأن هؤلاء الفاسدين لن ينالهم أى عقاب وبالتالى فإن ما يتم إطلاقه فى الحرب ضد الفساد مجرد «طلقات فشنك» لن تصيب هدفا ولن تقضى على فاسد.

فبحسب قضاة سابقين وخبراء قانون لن ينال الفاسدون الذين تم القبض عليهم فى هذه القضية أى عقاب اللهم إلا إذا اعتبرنا أن مجرد ردهم المال المسروق عقابا. فوفقا لتعديلات قانون التصالح فى جرائم المال العام، يكفى أن يرد المجرم ما سرقه لكى يعود إلى بيته معززا مكرما، ووفقا لتعديل قانون الكسب غير المشروع، يكفى أن يعيد الموظف الفاسد ما اكتسبه بفساده فى بداية التحقيق معه لكى يعود أيضا برفقة المستثمر الفاسد إلى بيته معززا مكرما.

ولما كان ليس كل الظن إثما، فإن المشهد المسرحى للقبض على وزير الزراعة بعد خروجه بلحظات من تقديم استقالته وخروجه من مجلس الوزراء، يثير من الشكوك أكثر مما يثيره من الفرح والسعادة. فهذا المشهد يؤكد ما أقوله دائما أننا أمام حكومة تليفزيونية تبحث دائما عن المشاهد المؤثرة المحبوكة بغض النظر عن المضمون أو النتيجة.

فالرجل لم يكن فى حالة تلبس تبرر القبض عليه فى ميدان عام، كما أنه ليس «خط الصعيد» الذى يخشى رجال الرقابة الإدارية تركه حتى يصل إلى «بيته فى الجبل مع المطاريد» ويتحصن به قبل القبض عليه فى الشارع.

لست سعيدا على الإطلاق وأنا أغرد خارج السرب وأبدو كمن يحاول إفساد الفرح بانطلاق الحرب ضد الفساد، لكن الحقيقة تقول إن البيئة التشريعية والقانونية وهى السلاح الأهم فى هذه الحرب فاسدة. فرجال الأجهزة الرقابية والأمنية يمكن أن يعملوا ليل نهار لتعقب الفاسدين والإيقاع بهم، ثم يذهب الفاسدون إلى النيابة معترفين بفسادهم ومعلنين استعدادهم لرد ما حصلوا عليه بالفساد دون أى زيادة لكى يتم غلق القضية ويعودوا ليبدأوا رحلة جديدة مع الفساد.

لا أظن أن حكومة تفتح باب التصالح فى جرائم المال العام والكسب غير المشروع بدون أى عقاب للمتهمين، هى حكومة جادة فى محاربة الفساد. ولا أظن أن حكومة تحصن عقودها مع المستثمرين ضد الملاحقة القضائية، هى حكومة جادة فى محاربة الفساد.

القبض على وزير متهم بالفساد خطوة جيدة لا شك، لكنها أبدا لا تكفى لكى نقول إننا أمام نظام حكم يشن حربا حقيقية ضد الفساد. فحتى سنوات حكم حسنى مبارك الحاصل على لقب «30 سنة فساد واستبداد» بجدارة كانت شهدت القبض على وزير هنا أو رجل أعمال هناك، فى الوقت الذى يترسخ فيه الفساد ويتمدد.

أخيرا، نحن أمام حكومة تقدم أسلحة فاسدة إلى من يحاربون الفساد، وتريد أن تقنعنا بأنها جادة فى هذه الحرب وتريد لمن يحاربون الفساد الانتصار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved