تصحيح توزيع الثروة قبل فوات الأوان

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 10 سبتمبر 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

سيقتصر حديثنا على موضوع توزيع الثروة البترولية والغازية، وعلى الأخص فى دول مجلس التعاون الخليجى، وذلك لأن اقتصاد البترول والغاز أصبح أحد المداخل الرئيسية لاقتصاد الوطن العربى كله. غير أن أسس القضايا التى سنطرحها تنطبق على جميع أقطار الوطن العربى، وبالنسبة لشتى ثرواتها.

دعنا أولا نتفق على نقطتين رئيسيتين: أولاهما أن الثروة البترولية والغازية هى ثروة مجتمعية، أى أنها ثروة يملكها المجتمع ويملك حق الاستفادة منها والمشاركة التامة فى التصرف باستعمالاتها وأوجه صرفها. وثانيهما أن هذه الثروة ليست ملكا لهذا الجيل فقط، وإنما هى أيضا ملك للأجيال القادمة.

دعنا ثانيا، نؤكد على أن موضوع توزيع ثروات المجتمعات بصور تؤدى إلى بناء اقتصاد مستقر وقائم على العدل والإنصاف والتضامن الإنسانى، مطروح بقوة وعلى نطاق واسع فى المجتمعات الديموقراطية التى بدأت تدرك أن وجود ظاهرة التوزع غير العادل للثروة، سيدمر الأسس الديموقراطية التى بنتها المجتمعات عبر السنين الطويلة.

فى ضوء النقاط السابقة الهامة والمحورية، نعتقد بأن موضوع توزيع الثروة، وفى مقدمتها الثروة البترولية والغازية، لم يدرس بما فيه الكفاية على أسس إحصائية دقيقة، وعبر المرحلة التاريخية لتواجد البترول والغاز، مشفوعا بدراسات اجتماعية، تبين إن كانت دول البترول والغاز تهيئ الوسائل لحدوث توزيع عادل للثروة أم أنها تفعل العكس، سواء بقصد أم بغير قصد.

من بين الدراسات الاجتماعية المطلوبة فى الحال، دراسة مدى تأثير التوجه الحالى نحو تشجيع خصخصة حقول التعليم والصحة والإسكان والثقافة، وكذلك دراسة التوجه نحو إيقاف الدعم الحكومى فى حقوق الغذاء والطاقة والرعاية الاجتماعية، ومدى تأثيرها على موضوع توزيع الثروة.

ذلك أن التزام الدول النفطية والغازية بلعب الدور الأكبر والأقوى والأفضل فى توفير تلك الخدمات لجموع المواطنين، وعلى الأخص الفقراء والمهمشين منهم، كان فى الماضى جزءا أساسيا من موضوع توزيع الثروة. فإذا بدأ ذلك الدور الحكومى فى تقديم تلك الخدمات فى التراجع، فإننا أمام تراجع فى توزيع الثروة الوطنية، ما لم يصاحب ذلك التراجع تعويضه فى حقول، من مثل ارتفاع الأجور ومن مثل البرامج التدريبية المستمرة العالية المستوى، لإحلال القوى الوطنية فى الوظائف التى ترفع مداخيل المواطنين.

***
لكن كل ذلك لن يكفى ما لم يصاحبه موضوع الترابط بين وجود الرأسمال الهائل وطرق استثماره من جهة وبين إنتاجية المجتمع. وهو موضوع تعب المهتمون من المواطنين من طرحه، لكن الجهات المعنية لا تبحثه بجدية وموضوعية خوفا من أن يمس مصالح وامتيازات هذه الفئة أو تلك.

ذلك أن فائض الرأسمال الناتج عن الثروة البترولية والغازية، بعد دفع الرواتب الحكومية وبناء البنية التحتية، أما يستثمر فى الداخل فى مشروعات مظهرية وإما يستثمر فى الخارج فى مستندات حكومية ومصرفية وفى إسناد اقتصاد الخارج، بينما يظل استثماره فى الداخل وفى الأرض العربية مركزا فى المضاربات العقارية والسياحية والخدمات الترفيهية، وبينما يبقى استثماره لبناء اقتصاد إنتاجى ومعرفى غير ريعى محدودا ومهيمنا عليه من القوى الرأسمالية الخارجية العولمية.

وبسبب ذلك ترتفع أسعار الأراضى والعقارات بصورة جنونية، تجعل من المستحيل على المواطن أن يشترى الأرض أو يستأجر العقار، مما يؤدى بدوره إلى زيادة فى سوء توزيع الثروة الوطنية.

يضاف إلى كل ذلك أن تجمع فائض الرأسمال فى أيادٍ قليلة، إما لأنها متنفذة وإما لأنها تمارس الزبونية الولائية الانتهازية، إن ذلك التجمع والتركز للثروة المالية فى تلك الأيادى القليلة لا يصاحبه وجود ضرائب تؤخذ لصالح الوطن والمواطن، مما يؤدى إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل ينذر بعواقب مستقبلية وخيمة، بما فيها قيام ثورات اجتماعية مدمرة.

لنتذكر أن الثورات فى التاريخ قد سبقتها أوضاع مماثلة، ومن يريد أن يعرف مدى تأثير الفوارق فى المداخيل على الحراكات الاجتماعية فما عليه إلا أن يدرس أوضاع المجتمع الفرنسى قبل قيام الثورة الفرنسية الشهيرة، وسقوط سجن الباستيل عام 1789.

وعلينا جميعا أن نعى أن بناء الباستيلات لن يستطيع حماية أحد. فالشعوب الجائعة أو المهضومة الحقوق، خصوصا وهى ترى وتسمع كل ما يجرى من حولها عبر شبكات التواصل الاجتماعى، لن يستطيع أحد إسكات غضبها.

***
ما الهدف من وراء هذا الحديث، الهدف هو التوجه للجهات المعنية بأن تولى موضوع توزيع الثروة اهتماما كبيرا والتزاما قويا، لا من خلال مكرمات أو توزيع أعطيات مسكنة، ولكن من خلال الطلب من العلماء والمفكرين والباحثين مساعدتها فى دراسة هذا الموضوع الشائك وتقديم الحلول القائمة على أرضية صلبة ونظرات مستقبلية.

وستكون الجهات المعنية حكيمة، لو أنها تجنبت الاعتماد على البيروقراطيين الحكوميين والثرثرة فى هذا المجلس أو تلك اللجنة الحكومية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved