رسائل فلسطينية مشفرة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 10 سبتمبر 2016 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

تطلق فى الفضاء الفلسطينى هذه الأيام رسائل مشفرة مثيرة للغط والقلق، وبعضها يحتمل تأويلات خطيرة تتماس مع عموم الفضاء العربى. فإلى عهد قريب كان شعار ترتيب البيت الفلسطينى يقصد به المصالحة بين الشقيقين اللدودين فتح وحماس، لكن الأمر اختلف هذه الأيام. إذ تبعا لمؤشرات بورصة السياسة فإن «البيت» المقصود هو بيت «فتح» ذاتها. والهدف من الترتيب ليس الاصطفاف فى مواجهة الاحتلال، ولكنه المراد به هندسة الوضع تحسبا لاحتمالات غياب الرئيس محمود عباس الذى تجاوز العمر الافتراضى فى منصبه. وعملية الهندسة لا تتم فى الكواليس الفلسطينية فحسب ولكنها متداولة بهمة فى المحيط العربى. والهدف منه هو تهيئة الأوضاع لكى يصبح السيد محمد دحلان القيادى الفلسطينى سيئ السمعة المفصول من فتح هو الخليفة المنتظر الذى ترشحه «الرباعية العربية» لذلك المنصب، وهذه تختلف عن الرباعية الأوروبية التى شكلت فى إطار الاتحاد الأوروبى للتعامل مع القضية الفلسطينية. ذلك أن الرباعية العربية مصطلح مبتدع تتداوله الصحف فى الساحتين الفلسطينية والأردنية، صارت له مكانته فى قاموس التشفير المستجد. والتفسير المتواتر لتلك الرباعية يفهم منه أن المقصود به دولتان شرقيتان واثنتان من منطقة الخليج.

الخطاب الذى ألقاه أبومازن فى رام الله يوم السبت الماضى ٣ سبتمبر أمام جمع من ممثلى ذوى الاحتياجات الخاصة فى فلسطين يعد نموذجا للغة «التشفير» التى أتحدث عنها. ذلك أنه قال ما يلى: يجب أن نتكلم كفلسطينيين.
إذ كفانا امتدادات هنا وهناك. ومن له تلك الامتدادات عليه أن يقطعها، وإذا لم يقطعها فسوف نتولى نحن ذلك. إننا نريد أن نحتفظ بعلاقات جيدة مع العالم، لكننا لا نريد لأحد أن يملى علينا مواقفنا، حيث لا سلطة لأحد علينا. إننى لا أفكر فى واشنطن أو موسكو، لكنى لا أريد أن أذكر عواصم حتى لا يتحسس أحد رأسه، والكل يعلم أن بيننا أناس يعملون مع عواصم أخرى. وأنا أدعو الجميع لأن يتركوا العواصم وفلوسها وتأثيرها، وأن نعمل كفلسطينيين فقط. فهل بوسعنا أن نفعل ذلك.

اكتفى أبومازن بالتلميح، لكن الشارع الفلسطينى ــ وليس النخبة وحدها ــ فهم الرسالة، حيث الإشارات كانت واضحة، حتى بدا مفهوما أن الرئيس الفلسطينى أراد بكلامه أن يعبر عن رفضه للضغوط التى تستهدف إعادة محمد دحلان إلى صفوف فتح مرة أخرى، لأن الرباعية العربية ترشحه لخلافته وترى فيه ما يستحق الرهان عليه، بحكم صلاته وارتباطاته الغربية والأمريكية والإسرائيلية. وليس ذلك استنتاجا من عندى ولكنه تأويل اجتمعت عليه كتابات معلقى الشأن الفلسطينى فى الضفة والأردن على الأقل.

المعلقون العارفون بما يجرى فى الكواليس أدركوا أن رسالة أبومازن ستؤدى إلى توتير علاقاته بالدول الأربع، وأضافوا ما هو أخطر. إذ ذكروا أن مشروعا للى الذراع قدمته الرباعية العربية إلى القيادة الفلسطينية دعاها فيه إلى ما سمى بترتيب البيت الفلسطينى، وضمنه تحذيرا أشبه بالتهديد خلاصته أنه: «إذا لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمروا فى الانقسام (داخل حركة فتح) فسوف تضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة فى التعامل مع ملف الصراع العربى الإسرائيلى». وهى رسالة خطيرة الدلالة وقعت على نصها فى أكثر من تعليق فلسطينى، كأنها تلوح بالتطبيع مع إسرائيل دون انتظار تحقيق أى تقدم فى القضية، إذا لم يعد دحلان إلى فتح ويدرج ضمن المرشحين لرئاسة السلطة.
وليست لدى فرصة للتثبت من دقة هذا الكلام، لكننى وجدته متداولا ومنتشرا على أكثر من صعيد فى الساحة الفلسطينية وبين عناصر الطبقة السياسية العربية، ناهيك عن أن القرائن المتوافرة تؤيد احتمال صحته، سواء تلك التى تمثلت فى إحياء المبادرة العربية من العدم، أو فى الحديث عن فكرة السلام الدافئ فى إسرائيل، أو فى جرأة وتعالى أصوات المطبعين العرب المعروفين بصلاتهم بجهات القرار ودوائر السلطة فى أخطائهم.

وليس ذلك كل شىء لأن فصل «التشفير» حافل برسائل أخرى ينبغى أن تقرأ ــ غدا نواصل بإذن الله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved