أزمة قبرص والغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الثلاثاء 10 سبتمبر 2019 - 11:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتبة «روكسانا أندرى» تناولت فيه الحديث عن النزاع الدائر شرق البحر المتوسط وتصاعد الدور التركى فى هذا النزاع.

احتلت تركيا الجزء الشمالى من جزيرة قبرص سنة 1974.. والذى أدى بعد ذلك فى عام 1983 إلى إنشاء الجمهورية التركية لشمال قبرص المعترف بها فقط من قبل تركيا. ويعتبر هذا النزاع من أطول النزاعات فى أوروبا حيث استمر 4 عقود دون توصل أطراف النزاع إلى حل ــ قبرص وتركيا واليونان وبريطانيا.

ومع ذلك، احتلت قبرص مرة أخرى مركز الصدارة فى المناقشات الجيوسياسية المحيطة بشرق البحر المتوسط، ومناقشات حول احتمالية نشوب حرب على موارد المنطقة، ودور تركيا المتصاعد. ولكن ما الحدث الذى أدى إلى هذا التغير؟ بادئ ذى بدء، اكتشافات قبرص للغاز عام 2011 و2018. ثانيا، انهيار محادثات السلام القبرصية، بقيادة الأمم المتحدة، عام 2017 وتركت المجتمع الدولى فى حالة من التشاؤم فيما يتعلق بإعادة توحيد محتملة للجزيرة. ثالثا، قررت تركيا لعب دور أكثر حزما فى لعبة الطاقة الإقليمية.

التدخل التركى فى لعبة الغاز شرق البحر المتوسط
بدأ ظهور أهمية مياه شرق البحر المتوسط عندما أعلنت شركة إينى الإيطالية وشركة توتال الفرنسية، فى 8 فبراير 2018، اكتشافا كبيرا للغاز فى منطقة كاليبسو قبالة الساحل القبرصى. بعد ثلاثة أيام فقط، اعترضت السفن العسكرية التركية سفينة حفر إيطالية والتى كانت فى طريقها إلى موقع حفر للغاز فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص. أدى الحادث إلى تبادل مكثف للاتهامات والإعلانات الدبلوماسية وأنذرت باحتمالية نشوب حرب موارد جديدة على عتبة أوروبا. ركز التحليل الخارجى على الشبكة المعقدة للمنافسة الجيوسياسية والصراعات حول شرق البحر المتوسط، وأصبحت النقطة المحورية للقلق، هذه المرة، تركيا.

أثار تدخل تركيا العسكرى فى المياه القبرصية مخاوف من أن الاكتشافات الحديثة للغاز فى شرق البحر المتوسط ستفاقم التوترات الموجودة مسبقا فى المنطقة، مما قد يخلق صراعات جديدة مدفوعة بالمنافسة على الموارد. وتزايدت المخاوف بعد تبادل سلسلة من التحذيرات معظمها بين تركيا واليونان وتصادم تصريحات رؤساء البلدين... فحذر الرئيس التركى اليونان وقبرص والشركات الأجنبية من أن مواصلة التنقيب عن الغاز قبالة ساحل قبرص يعتبر انتهاك لسيادة تركيا. وصرح أردوغان أن «السفن الحربية التركية والقوات الجوية وغيرهم من وحدات الأمن تتابع التطورات فى المنطقة عن كثب وستتدخل إذا لزم الأمر».

وصاعدت حملة الانتخابات التركية من التوترات. فأطلقت تركيا أول سفينة تنقيب «فاتح» للتنقيب عن الغاز فى شرق البحر المتوسط والبحر الأسود. وارتبط بالحدث إلقاء بعض الخطابات الرمزية.. فقارن وزير الطاقة التركى فى خطاب له الفتح العثمانى لإسطنبول بإطلاق سفينة التنقيب «الفاتح» فقال «فتح اسطنبول يعد حقبة جديدة فى تاريخ العالم وإطلاق أول عملية حفر مثلت بداية حقبة جديدة فى الأهداف التركية تجاه النفط والغاز».

إذا كان توقيت الإطلاق مثيرا للجدل، فلم يعتبر الحدث بحد ذاته مفاجأة. فالغرض من هذا كان دعم خطط تركيا لتصبح لاعبا عالميا فى مجال النفط والغاز، وتقليل الاعتماد الكبير على المواد الهيدروكربونية. وجاء الإطلاق بعد الإعلان عن السياسة الوطنية للطاقة والتعدين فى تركيا، والتى تم الإعلان عنها فى إبريل 2017، والتى ركزت على تعبئة الموارد المحلية وتنويع مصادر الطاقة. لكن أثارت أنباء اكتشاف حقل كاليبسو العملاق للغاز فى 2018 اهتمامات وطموحات جديدة أكبر بكثير من تأثير اكتشاف حقل أفروديت عام 2011. ما أثار مخاوف اليونان وقبرص وشركاؤهم فى الاتحاد الأوروبى هو الصلة بين الموقف الرسمى لتركيا ضد التنقيب فى شواطئ قبرص، والذى دعمته بوجودها العسكرى، والخطابات السياسية المتعلقة بقبرص خلال انتخابات تركيا. إن الحليف الانتخابى لحزب العدالة والتنمية، حزب الحركة الوطنية المتطرف، يفضل اتباع نهج متشدد فى تحقيق الأمن القومى، ووفقا لسنان أولجن من كارنيجى أوروبا، يعتبر الحزب أن أى صفقة بخصوص قبرص بمثابة خيانة. وازدادت مخاوف اليونان وقبرص من خلال مقطع فيديو انتخابى يصور قبرص كأرض تركية.

جاءت هذه التوترات الجديدة لتزيد من التوترات الموجودة فى المنطقة.. فاختلفت لبنان وإسرائيل حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وتصارعت إسرائيل وتركيا حول قضية غزة، وتمكنت ومصر وقبرص واليونان وإسرائيل من تشكيل كتلة تعاونية، بدون تركيا، فى شرق البحر المتوسط... ولكن هل نتج هذا من مشكلة جيوسياسية أم مشكلة سياسة؟

قبرص: تاريخ من الانقسام
فى عام 1974، نظم القبارصة اليونانيون المتطرفون وقوات المجلس العسكرى اليونانى فى السلطة فى أثينا انقلابا وأعلنوا توحيد قبرص مع اليونان. ونتيجة لذلك، أرسلت تركيا قوات لها بنية حماية القبارصة الأتراك. اندلع العنف بين الطوائف فى جميع أنحاء الجزيرة وانتهى المطاف بإعلان القبارصة الأتراك جمهورية شمال قبرص التركية وأنشأوا نظامهم الإدارى والسياسى. فى عام 2017، انهارت الجهود الدولية لإعادة توحيد الجزيرة، بوساطة الأمم المتحدة، بشكل كبير فى محادثات كرانس مونتانا. حيث رفضت الجالية اليونانية، بدعم من اليونان، أن تصبح قبرص فيدرالية مع وجود قوات تركية على أراضيها وحقها أحادى الجانب فى التدخل، بينما لم يتمكن القبارصة الأتراك، بدعم من تركيا، من تسوية انسحاب نحو 30.000 جندى تركى ما زالوا متمركزين فى الشمال.

تركيا هى الدولة الوحيدة التى اعترفت بالكيان الشمالى، بينما فى الوقت نفسه ترفض أنقرة الاعتراف بوجود جمهورية قبرص (الجزء الجنوبى). وهذا مهم لتنفيذ خطط تركيا لبدء عمليات الحفر الخاصة بها فى شرق البحر المتوسط، ولها تأثيرات كبيرة على قبرص. بالإضافة إلى عدم الاعتراف بقبرص، تطبق تركيا تفسيرها الخاص للقانون البحرى الدولى (خلافا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المقبولة عموما). وفقا لهذا التفسير الفردى، فإن الأقاليم الوطنية بها جرف قارى يصل طوله إلى 200 ميل.. ولكن بالنسبة للجزر فلديها مياه إقليمية يصل طولها إلى 14 ميلا، وبالتالى، بالنسبة لأنقرة، فإن قبرص جزيرة ليس لها حقوق فى الجرف القارى. من وجهة نظر تركيا ليس لقبرص حق قانونى فى إعلان منطقة اقتصادية خالصة، وجميع الاتفاقات التى أبرمتها السلطات القبرصية اليونانية مع الشركات الدولية باطلة من الناحية القانونية.

ونتيجة لذلك، اتهمت السلطات التركية قبرص والشركات الدولية التى تقوم بالتنقيب فى بلوك 6 وبلوك 3 قبالة ساحل قبرص بانتهاك الحقوق السيادية لتركيا (التى تعتبر المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها لتمتد إلى الكتل الواقعة جنوب قبرص) والقبارصة الأتراك. علاوة على ذلك، فى عام 2011 منحت جمهورية شمال قبرص التركية حقوق الحفر الخاصة بها لشركة TPAO التركية. قبل انتخابات يونيو، أعلن وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو» أن الاتفاقية القبرصية المصرية لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين «لاغية وباطلة»، منتهكة حقوق القبارصة الأتراك «للاستفادة من موارد الجزيرة».

قدمت جمهورية قبرص ردا دبلوماسيا سريعا لتبين حزمها فيما يتعلق بحقوقها الذى يكفلها القانون الدولى لها، ولكن أيضا أكدت قبرص من خلال ما قاله رئيسها نيكوس أناستاسيادس على «ضرورة تجنب تصاعد التوترات». وأرجع المتحدث باسم الحكومة القبرصية الوضع إلى المناخ الانتخابى فى تركيا، وأعلن أن قبرص سوف تتجنب الدخول فى دوامة التوترات الناتجة عن هذه الانتخابات. يرفض القبارصة اليونانيون النظر فى أى اتفاق مع نظرائهم القبارصة الأتراك بشأن إمكانية الاستغلال المشترك للهيدروكربونات ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن قبرص أولا.

ولكن ماذا عن جمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها؟ ركزت وسائل الإعلام بشكل كبير على ردود فعل الفاعلين الرئيسيين المعترف بهم واللاعبين الدوليين، لكنها تجاهلت أحد عناصر الخلاف نفسه. كودريت أوزرساى، وزير خارجية الكيان غير المعترف به، قال فى تصريح له «نحن نهدف إلى تهدئة الأوضاع». ومع ذلك، أعرب ممثل الكيان غير المعترف به عن النية الحازمة لشمال قبرص فى التنقيب عن الغاز مع أو بدون القبارصة اليونانيين عندما قال «أعتقد أننا سوف ندخل قريبا فترة سيرى فيها الجميع أنه لا يمكن القيام بأى شىء فى المنطقة دون الحصول على موافقة الشعب القبرصى التركى أولا». دعا رئيس جمهورية قبرص الشمالية التركية، مصطفى أكينشى، أيضا إلى إنشاء لجنة مشتركة بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين للتعامل مع قضية الغاز الطبيعى، وربط الجهود المبذولة فى مجال التعاون فى مجال الغاز بمستقبل أمن قبرص، واتهم القيادة القبرصية اليونانية برفضها لتقاسم السلطة والموارد.

النظر للأمام: غاز للتعاون أم للصراع فى قبرص
على الرغم من ردود الفعل وتصريحات اليونان وتركيا القاسية بشأن قضية قبرص، تجدر الإشارة إلى أن السلطات القبرصية، سواء فى جمهورية قبرص أو السلطات فى الجزء الشمالى، اختارت المسلك الدبلوماسى من أجل التعبير عن نواياهم وتجنب المزيد من التصعيد.. لأنهم يستغلون موارد يعتبرها كلاهما حقا لهم مع إمكانية الاستغلال المشترك فى المستقبل. ومع ذلك، يواصل الطرفان ربط إمكانية التعاون الاقتصادى بإيجاد حل سياسى للصراع المطول الذى قسم قبرص منذ عام 1974. وقد أعرب كل من القبارصة اليونانيين والأتراك عن استيائهم من المفاوضات الفاشلة، ومن مصلحتهم تجنب الصراعات أو التصادمات بين الأطراف الإقليمية، لأن هذا من شأنه فى النهاية أن يعوق استغلالهم لاحتياطيات الغاز الطبيعى.

كانت هناك حالات تعاون فيها الشمال والجنوب فى مجال الطاقة... ففى عام 2016، تم ربط شبكات الكهرباء التابعة لكل منها فى شبكة واحدة على مستوى الجزيرة، وتم إطلاق مناقشات حول إنشاء رابط بحرى آخر بين قبرص وشبكة الكهرباء التركية.

ومع ذلك، فى حالة قبرص، سيتبع الاقتصاد السياسة بدلا من العكس. على الرغم من وجود أمثلة مفيدة للتعاون، داخل وخارج مجال الطاقة، إلا أن حل القضايا السياسية بين الجنوب والشمال والتوصل إلى تسوية للنزاع قد يكون الحافز لاستكشاف احتياطيات الغاز بطريقة سلمية ومثمرة.. إذا حدث هذا، فستكون قبرص قادرة على لعب دور مركزى فى شرق البحر المتوسط، وكذلك على مستوى الطاقة فى أوروبا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved