أذان الغروب!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 10 سبتمبر 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

الهزيمة القاسية التى تعرض لها حزب العدالة والتنمية الإخوانى فى الانتخابات التشريعية المغربية، وأدت إلى خروجه المذل من السلطة، تطرح سؤالا مهما وهو: لماذا يفشل الإخوان فى الحكم؟
منذ عقد من الزمان، هبت على المنطقة رياح التغيير فى عشرية «الربيع العربى»، فدفعت بتيار الإسلام السياسى فجأة إلى سدة الحكم، وتحديدا جماعة الإخوان، نظرا لكونها الأكثر تنظيما وقدرة على حشد خزانها البشرى فى جميع الاستحقاقات الانتخابية، فى وقت كانت فيه التيارات الشابة التى شاركت فى ميادين الثورة والتغيير، تتلمس أولى خطواتها فى عالم السياسة، ولم تكن قادرة على تنظيم صفوفها وبالتالى المنافسة بقوة على الحكم.
فى ظل هذه المعادلة السياسية المختلة، قفزت الجماعة إلى السلطة فى مصر وتونس والمغرب، غير أنها سرعان ما فقدت عروشها واحدا تلو الآخر، أولا فى مصر، وثانيا فى تونس، وأخيرا فى المغرب؛ حيث إنه وفقا للنتائج شبه النهائية للانتخابات التشريعية المغربية، التى جرت الأسبوع الماضى، فقد حل حزب العدالة والتنمية ثامنا بـ 13 مقعدا فقط بعد أن كان يمتلك 125 فى برلمان 2016، مقابل صعود حزب التجمع الوطنى للأحرار «الليبرالى» الذى نجح فى إزاحته من الصدارة بعد فوزه بـ 102 مقعد.
صحيح أن لكل تجربة من هذه التجارب الإخوانية فى الحكم، سماتا وخصائص قد تجعلها مختلفة عن غيرها، نظرا لظروف مجتمعها وطبيعة إدارتها للأمور وعلاقاتها مع باقى القوى السياسية ومؤسسات المجتمع، إلا أن هناك قواسم مشتركة بينهما، لاسيما أن اللاعب الرئيسى والخاسر واحد فى جميع الحالات، ونعنى بذلك جماعة الإخوان.
أولى هذه القواسم التى تفسر أسباب فشل جماعة الإخوان بعناوينها المختلفة (الحرية والعدالة / مصر.. النهضة / تونس.. العدالة والتنمية / المغرب) فى حكم الدول الثلاث، هى الإشكالية التى رافقتها منذ لحظة الميلاد فى مصر قبل أكثر من ٩٠ عاما وحتى الآن؛ حيث أتت الجماعة إلى الحياة من بوابة الدعوة، وما زالت تستطيب تسمية نفسها بـ«الجماعة الربانية»، لكن سعيها الدائم انصب على الوصول إلى السلطة، وهو ما أحدث خلطا لدى الكثيرين الذين عزفوا عنها، لأنهم لم يعرفوا هل هم «ناس بتوع ربنا».. أم رجال سياسة لديهم القدرة على إدارة شئون البلاد، إذ إنه من الصعب بل من المستحيل، تجسير الفجوة بين المطلق والنسبى.. المقدس والمدنس.. المسجد وقصر الحكم.. الدينى والسياسى؟.
كذلك كان من أبرز القواسم المشتركة لتجارب الإخوان فى الحكم، الأخطاء التى وقعوا فيها خلال ممارسة السلطة، خصوصا فى مصر وتونس، ومن أبرزها السعى نحو إقصاء شركاء الوطن عن المشاركة فى صناعة القرار السياسى، والاستعلاء على جميع القوى الوطنية، والانفراد والسيطرة المطلقة على مفاصل الدولة، ومحاولة تكرار نماذج الحكم الفردى التى انتفضت ضدها شعوب المنطقة خلال ثورات الربيع العربى، وعدم رغبتهم فى إحداث تحول ديمقراطى حقيقى يضع الأسس القوية لإمكانية التداول السلمى للسلطة.
أيضا الإخفاقات الواضحة فى تغيير حياة الناس إلى الأفضل، والفشل فى إدارة الدولة، وتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وغياب الرؤى الواقعية للمشكلات والتحديات التى تواجه المجتمع، والنكوص عن الوعود التى قطعوها على أنفسهم، وتغذية الانقسامات بين طوائف الشعب، وإصدار القوانين والقرارات التى لا تراعى ظروف المجتمع، كان من القواسم المشتركة لتجارب الحكم الإخوانية، التى لم تصمد طويلا أمام غضب الشعوب، التى عاقبتهم إما بالثورة عليهم فى حالة مصر، أو بتأييد إقصائهم من السلطة بقرارات رئاسية فى حالة تونس، أو عن طريق الصناديق فى حالة المغرب.
ما حدث فى المغرب، لم يكن مجرد هزيمة قاسية لحزب حاكم فى انتخابات تشريعية نزيهة، لكنه كان بمثابة «أذان الغروب» لعقد من الزمان، تصدر فيه تيار الإسلام السياسى بوجهه الإخوانى السلطة فى المنطقة، وفشل فشلا ذريعا فى تقديم نموذج للحكم الرشيد، وما على الجماعة الآن سوى الاعتراف بهذا الإخفاق والانصراف بهدوء لمعالجة جذرية لإشكالية النشأة وأخطاء الممارسة، لكن ذلك لن يحدث، وستواصل الجماعة اختيار الطريق الأسهل لها دائما، وهو ادعاء المظلومية، وترديد الأحاديث الخاوية عن تعرضها لمؤامرات وانقلابات وثورات مضادة من أجل إبعادها عن الحكم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved