الغضب ليس قضية لغوية

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 10 أكتوبر 2009 - 9:16 ص بتوقيت القاهرة

 يعجبنا كلام السيد عمرو موسى، ونستغرب مواقفه وتصرفاته، ذلك أنه يكاد يكون أفضل متحدث عن الموقف العربى، لكنه لا يعد بالضرورة أفضل تعبير عن الضمير العربى، فقبل أيام قليلة أدلى بحديث لصحيفة الشرق الأوسط (نشر فى 4/10)، سئل فيه عن رأيه فيما حدث فى جنيف، حين طلب ممثل السلطة الفلسطينية تأجيل التصويت على التقرير الذى أدان جرائم إسرائيل أثناء عدوانها على غزة.

فكان رده كالتالى: إنه أمر غاية فى الخطورة والسلبية، ولم يتشاور معنا أحد بخصوصه، وما حدث هناك أصابنى بغثيان شديد.. والمأسأة تقتضى وقفة.. ذلك أننا بإزاء حالة تشير إلى حدوث انهيار مفاجئ فى الموقف العربى، ستكون له آثار بعيدة المدى خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

وهو كلام جميل يشحن القارئ العادى ويستنفره، لكى ينتظر أى موقف يجسد «الوقفة» ويعالج «الانهيار المفاجئ» ــ لكنه لا يجد!

أيضا حين سئل عن حصاد مشاركته ومشاوراته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، قال إنه كان هناك موقف متبلور يتعلق بعدم استخدام عملية السلام لكسب الوقت.. وإذا كان هناك تفاوض مع الجانب الإسرائيلى فثمة أمور لا يمكن إسقاطها تخص قضايا الوضع النهائى، كما أنه يجب أن يكون للتفاوض إطار زمنى، بحيث لا تترك الأمور بغير متابعة أو مراقبة. وهو أيضا كلام جميل لكن فكرة الإطار الزمنى تغاضى عنها السيد عمرو موسى عندما تعلق الوضع بالمبادرة العربية، إذ قبل هذا الكلام بأيام قال الأمين العام لجامعة الدول العربية فى تصريح أبرزته الصحف المصرية ان المبادرة لن تظل موضوعة على الطاولة إلى الأبد، مرددا العبارة التى قالها العاهل السعودى الملك عبدالله فى مؤتمر قمة الكويت الأخير. وهى الفكرة التى احتفى بها الجميع، وتوقعوا أن يترتب عليها تحديد للتوقيت الذى يتم فيه سحب المبادرة، لكن لم يحدث شىء من ذلك. وأكدت الممارسة أن موعد سريان المبادرة مفتوح، منذ إطلاقها فى قمة بيروت عام 2002، أى منذ سبع سنوات.

فى افتتاح قمة الكويت (15 يناير الماضى) رسم عمرو موسى صورة محزنة للعالم العربى حين قال فى كلمته: إن ضياع الدور العربى وتناثره، وضعف الموقف العربى وتهرءه، وانقسام الصف العربى وتبعثره، أدت كلها إلى سياسة اجترأت على العرب تقوم على الاستخفاف والاستغفال. وهو تشخيص شجاع يفترض أن يترتب عليه أى موقف احتجاجى من جانبه، لكن الكلام تبخر بعد إطلاقه عبر الفضائيات.

هكذا فى كل مناسبة نجد أن الرجل يقول ما نردده نحن، ويعبر عن سخطه واستيائه مما آل إليه الموقف العربى. وظلت عباراته تلك المسكونة بالاحتجاج والغضب ترسل إلى المواطن العربى فى سياقات لغوية تدغدغ مشاعره وتمتص شعوره بالإحباط، لكنها لا تكاد تترجم إلى مواقف، من ثم فإنه قدم لنا نموذجا للغضب الذى يظل فى حدود الإنشاء اللغوى.

حين يحاول المرء أن يدقق فى الأمر يجد أن الرجل معذور بصورة نسبية. فهو أمين عام لهيئة تمثل الأنظمة والحكومات العربية، الأمر الذى يجعله محاطا بالعديد من الضوابط والخطوط الحمراء التى تمثلها سياسات تلك الدول. لذلك فإنه يجد نفسه فى موقف دقيق. إذ لكى يحافظ على صورته فإنه اختار أن يتكلم بلغة الشعوب ويتصرف ملتزما بسياسة الحكومات. وهى صيغة سمحت له بالاستمرار فى منصبه الذى عين فيه منذ عام 2001، وهو ما حيَّر الناس، لأنهم لم يعرفوا بعد موقفه الحقيقى إزاء مختلف قضايا المصير المثارة، وما إذا كان الرجل صادقا فيما يعبر به، أم أنه فقط يجيد تمثيل دوره.

إن المواقف الشريفة والشجاعة لابد لها من ثمن، ومن الواضح أن السيد عمرو موسى ليس مستعدا لدفع ذلك الثمن. لذلك فإنه دأب طول الوقت على أن يخطب ود الأنظمة والشعوب، ساعيا للاحتفاظ بوظيفته وشعبيته فى نفس الوقت. وهى معادلة باتت مستحيلة فى العالم العربى، الذى تتسع فيه الهوة بين الطرفين. مع ذلك لجأ الرجل إلى «الفهلوة» المصرية لحل المعادلة، وكانت اللغة سبيله إلى ذلك، ولم ينتبه إلى أن ثمة رأيا عاما سئم الأقوال وأصبح يتوق إلى رؤية الأفعال التى تصدقها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved