علاقة مصر بالحزب الجمهورى الأمريكى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 10 أكتوبر 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

يترقب النظام المصرى عن كثب نتائج انتخابات الكونجرس الأمريكى التى من المقرر أن تجرى فى الرابع من الشهر المقبل. وستركز النخبة المصرية الحاكمة على مجلس الشيوخ الذى يشهد منافسة على 36 مقعدا من مقاعده المائة، فى حين لن يلتفت كثيرون لمجلس النواب ومقاعده الـ435 والتى من المنتظر أن تستمر سيطرة الحزب الجمهورى عليه، ويسيطر حاليا الجمهوريون بـ234 مقعدا مقابل 201 مقعد للديمقراطيين. ويسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ بأغلبية 53 مقعدا مقابل 45 مقعدا للجمهوريين، وهناك مقعدان لمستقلين يميل نمط تصويتهم للديمقراطيين.

وتمثل هذه الانتخابات فرصة للحزب الجمهورى الذى يسعى إلى الظفر بالأغلبية المزدوجة على مستوى مجلسى النواب والشيوخ. وينتظر أن يشهد صراع السيطرة على مجلس الشيوخ معارك انتخابية ضارية إذ يقترب عدد المقاعد بين الحزبين بما يفتح المجال لكل التوقعات، ويحتاج الجمهوريون فقط للحصول على ستة مقاعد للسيطرة على مجلس الشيوخ، وهو ما يمكن الجمهوريين من الوقف كند قوى للرئيس الديمقراطى باراك أوباما.

•••

رغم الثناء الحكومى المصرى على عقد لقاء بين الرئيسين السيسى وأوباما فى مدينة نيويورك منذ أسبوعين، إلا أن عددا من كبار موظفى الدولة المصرية لا ينكرون رغبتهم القوية فى سيطرة الحزب الجمهورى على مجلس الشيوخ. ويرتبط ذلك بموقف مجلس الشيوخ عقب أحداث الثالث من يوليو 2013، إذ انقسم الكونجرس بين مجلسيه، ومال مجلس النواب (يسيطر عليه الجمهوريين) إلى إدانة الرئيس محمد مرسى وإلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين فيما آلت إليه الاوضاع فى مصر. وعلى العكس جاء مجلس الشيوخ (يسيطر عليه الديمقراطيون) ومال فى أغلبه إلى وصف ما جرى فى الثالث من يوليو كانقلاب عسكرى صريح وبالضرورة يفترض أن يتبعه وقف كامل للمساعدات العسكرية.

وبعد ذلك خرج السيناتور باتريك ليهى (ديمقراطى ــ فيرمونت) وهو رئيس لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ بمشروع قرار لوقف المساعدات لمصر، وتمسك أقطاب مجلس الشيوخ بضرورة تطبيق المبادئ الأمريكية، وعليه يتم تلقائيا وقف المساعدات العسكرية عن الجيش المصرى. فى حين حاول أعضاء فى مجلس النواب الأمريكى، ذى الأغلبية الجمهورية، التضييق على حركة الرئيس الأمريكى باقتراح تشريع يسمح بالإبقاء على المساعدة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار وفقا لعدد من الشروط بينها إعداد الحكومة المؤقتة للانتخابات وإجراؤها بحرية.

•••

ويعكس الغرام بالجمهوريين قصورا فى فهم طبيعة ديناميكيات الكونجرس وتوجهات أعضائه ومصالحهم الخاصة. واعتادت أجهزة الدولة المصرية ممثلة فى رئاسة الجمهورية ووزارتى الخارجية والدفاع على التعامل مع الكونجرس الأمريكى بطريقة غير مفهومة. ويحظى أعضاء الكونجرس البالغ بمعاملة رسمية غريبة وشديدة التزلف سواء كان ذلك فى القاهرة أثناء زيارات الأعضاء ومساعديهم أو حتى فى واشنطن.

ويعد الكونجرس الجهة الأمريكية الأكثر جهلا بطبيعة القضايا العربية وبحقيقة الأوضاع المصرية، إذ يضم بعض النواب ممن ليس لهم أى معرفة بالعالم الخارجى، وبعضهم لم يسبق لهم السفر للخارج قبل انضمامهم للكونجرس، كما أنه يعد الجهة الأكثر تمثيلا وانصياعا لمصالح جهات اللوبى الأمريكية القوية والأكثر نفوذا، والذى يأتى على رأسها اللوبى اليهودى المؤيد لإسرائيل عندما يتعلق الأمر بقضايا مصر والشرق الأوسط. من هنا اتخذ الكونجرس خلال العقود الماضية مواقف متشددة، وشهد نقاشات يراها الكثيرون أكثر تطرفا مما تشهده مناقشات الكنيست الإسرائيلى نفسه فيما يتعلق بنفس القضايا.

•••

وللأسف استثمرت الدولة المصرية الكثير من مواردهما المادية والبشرية فى محاولات خاسرة لكسب «أصدقاء لمصر داخل الكونجرس!». وأنفقت الخزانة المصرية ملايين الدولارات على شركات اللوبى وشركات العلاقات العامة من أجل تحسين صورة مصر فى واشنطن بالتركيز على الكونجرس رغم عدم وجود عائد ملموس لهذه الجهود. فكل المواقف الأمريكية منذ الثالث من يوليو وحتى اليوم من وقف المساعدات العسكرية، وغيرها اتخذها البيت الأبيض. ويلعب الكونجرس فقط دورا ضاغطا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الاستراتيجية والاستخباراتية بين واشنطن وغيرها من العواصم المهمة التى تجىء القاهرة على رأس قائمتها. ويلعب الدور الرئيسى فى هذه الملفات فريق مجلس الأمن القومى ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات.

ويرتبط الاستثمار المصرى الواسع فى أعضاء الكونجرس الجمهوريين باعتقاد أنهم يعادون القوى الإسلامية، إلا أن الواقع يؤكد أن الجمهوريين لا يريدون، مثلهم مثل الديمقراطيين، أى ديمقراطية حقيقية فى مصر ولا فى أى دولة عربية لما يمثله ذلك من مخاطر على المصالح الأمريكية فى المنطقة.

•••

وتعد محاولات البحث عن أصدقاء داخل الكونجرس بحثا عن سراب! مفتاح الكونجرس الخاص بمصر موجود بصورة رئيسية فى أدراج مكاتب منظمة آيباك. وحتى أكثر أعضاء الكونجرس حكمة واستقلالية يؤكدون أهمية حفاظ مصر على «التزاماتها تجاه إسرائيل» كشرط للحكم على أفعال مصر بغض النظر عن من يحكم مصر. وعندما يتم الاحتفاء بزيارة بعض الاعضاء الجمهوريين لمصر وقضائهم ساعات مع الرئيس السيسى يكون ذلك نذير خطر لتوجهات السياسة الخارجية المصرية، وليس نجاحا. ويعتقد البعض أن أهم لحظات هذا النجاح تحققت على يد النائبة الجمهورية ميشيل باكمان التى زارت القاهرة عدة مرات خلال العام الأخير، وانتقدت هناك سياسية أوباما تجاه مصر. وتمثل هذه النائبة نموذجا مهما للجمهوريين! فقد أعلنت فى يونيو 2011 رفضها مطالبة الرئيس أوباما لإسرائيل بالعودة لحدود ما قبل 1967، وأكدت أن مطالبة إسرائيل بالتنازل للفلسطينيين عن الأراضى المحتلة فى الضفة وغزة والقدس هو أمر غير مقبول ولا يمكن غفرانه. وذكرت أن أعداء إسرائيل هم ذاتهم أعداء الولايات المتحدة، وأن عدم الاستقرار فى مصر يعنى فقط أن إسرائيل هى الحليف الوحيد لأمريكا فى الشرق الأوسط، وأن لو ترك الأمر للشعوب فى تلك الدول لن يعنى إلا قدوم أنظمة حكم تعادى إسرائيل والولايات المتحدة معا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved