«النسوية» فى الحراك المدنى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

استهجن البعض حين سمع شعارات نسوية تتردد فى تظاهرات «الحراك المدنى» الناشطة فى لبنان منذ أكثر من شهرين. إذ أثار الأمر أسئلة عن «علاقة النسوية بالنفايات والكهرباء»، والأخيران هما من مطالب الحراك الرئيسية.

أسئلة ليست خارجة على المألوف، ولكنها مستغربة فى هذه الأيام التى تشهد فيها التظاهرات حالات تحرش واعتداء على المتظاهرات، لم يكن آخرها ما شهدته تظاهرة الأحد 20 أيلول، إذ سُجلت أربع حالات تحرش واعتداء على الأقل، وثقتها منظمة «صوت النسوة» وحركة «22 آب». ومن هذه الحالات قول أحد أعضاء الشرطة لزميله، خلال مرور إحدى المتظاهرات أمامهما، ما معناه أنه يريد اغتصابها. فى حين امتنعت القوى الأمنية عن مساعدة متظاهرة، تعرضت لاعتداء من قبل ثلاثة رجال من أعمار مختلفة.

كما شهدت تظاهرة 8 تشرين الأول، اعتقال القوى الأمنية لعدد من الناشطات ومعاملتهن «بطريقة أسوأ مما تعامل الحيوانات». تدل هذه الحالات، وغيرها، إلى مدى تكريس النظام الأبوى القائم فى هيئته الطائفية العنصرية للذكورية، عبر إنتاجه لجهاز أمن يرى المرأة دخيلة على الحياة العامة، وبالتالى تستحق بشكل أو بآخر، ما تتعرض له من مضايقات واعتداءات. وهذا يتجلى فى مقاومة الدولة المساحات الفريدة من نوعها التى خلقها الحراك المدنى للتعبير الجماعى والفردى والتى شاركت النساء فى صنعها، من خلال فرضها حالات معينة على بنية ساحات التظاهر عبر أجهزتها الأمنية المفرطة بالذكورية وسردياتها الطائفية والعنصرية. وتهدف الدولة، بمقاومتها هذه المساحات، إلى تنميط التحرك وتفريغه من محتواه المغاير لسردية السلطة والتى تضعه فى موقع المواجه لها.

ففى 22 أيلول الفائت تداول عدد من وسائل الإعلام، خبرا عن إحالة الكياجى إلى القضاء المختص، لكشفها للموقع الإلكترونى «ناو»، أنها تعرضت للاغتصاب من قبل المحققين، وذلك خلال توقيفها فى وقت سابق بمركز حجز تابع لمخابرات الجيش.

وكانت الكياجى، التى ناصرت الشيخ أحمد الأسير فى عام 2013، وقد نشرت بعض المواقف المؤيدة له على مواقع التواصل الاجتماعى. واعتقلت، بحسب ما قالت لموقع «ناو»، بعدما اختلفت مع ابن أحد المسئولين الأمنيين لأنه «اعتاد» أن يدخل محلها ويهينها أمام الزبائن بسبب ولائها للأسير. تقول ليال للموقع نفسه، إنه خلال أيام اعتقالها الخمسة اغتصبت مرتين من قبل المحققين، ومن ثم اتهمها غاصبوها بأنها «عاهرة»، مهددين بأنهم سيحققون فى «نشاطها بالدعارة». وهو «اتهام» يصب فى سياقات السلطة الأخلاقية الجاهزة وثنائياتها المطلقة.

قالت الكياجى إن المحامى نصحها حينها، ألا تتحدث عن الأمر «لأنه لن يصدقها أحد»، فتكلمت بعد سنتين لتحال على القضاء وتعترف بحسب بيان رسمى لمديرية المخابرات «بأنها اختلقت تلك الرواية لكسب العطف، وتأمين فرصة عمل».

لسنا بصدد تأكيد هذا الادعاء أو نفيه، ولا البحث فى نية الكياجى أو مصداقيتها، ولكن موقف الموقع السياسى القريب من «14 آذار»، يؤكد فرضية التوظيف السياسى، الذى يغيب السؤال الرئيسى، ولعله الوحيد، الذى يجب طرحه هنا، وهو: هل تعرضت ليال الكياجى للاغتصاب أم لا؟

نعم، ليس هناك أى إثبات على أن الكياجى تعرضت فعلا للاغتصاب، وذلك لأنه لم يتم التحقيق فى الأمر أصلا، ولكن لا بد من التذكير أن معظم أجهزة الدولة العسكرية والأمنية ليست ذات تاريخ نظيف حينما يتعلق الأمر بتعذيب المساجين واستغلالهم جنسيا.

هكذا يصبح جسد المرأة وهويتها موقعا لممارسة «الثقافة المهيمنة»، التى تجعل من حالة اغتصاب محتملة قضية يكفى لإقفالها تصريح ردىء يحمل «اعترافا» من «الضحية» بالكذب، ويجعل من التحرش أداة شرعية لتهديد الناشطات لإخراجهن من ساحات النضال. ولكن هذه التكتيكات أثبتت وستظل تثبت فشلها فى ترهيبهن ومنعهن من التظاهر والمطالبة بحقوقهن وحقوق الشعب، خصوصا فى ظل التحرك الشعبى الذى زعزع، ولو قليلا، المنظومة الأبوية الطائفية العنصرية التى تحكمنا، وخلق مساحاتٍ للعمل السياسى خارجة، إلى حدٍ ما، عن أطر تلك المنظومة.

ناصر الأمين

الأخبار ــ لبنان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved