هذا الصندوق الأسود العملاق

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 - 9:19 م بتوقيت القاهرة

ليس من مهام المسئول فى بلدنا أن يخبر الناس بما يجرى، لأنه فى حالة كمون عضوى مزمنة، يخرج منها فقط للقاء السيد الرئيس، فيهز له الرأس بخضوع ومسكنة، كما تقول الصور.

ولم يعد الإعلام معنيا بتقديم الحقائق، لا يوجد صحفى فى مصر الآن ينزل الميدان ليعرف، كل ما يفعله هو الذهاب إلى مكتب المسئول، وبعد القهوة، يقرر له المسئول ما يمكن نشره، وما يجب الابتعاد عنه. وحطام الطائرة الروسية فى منطقة وادى الظلمات بسيناء دليل جديد على القاع الذى ارتطمنا به.

لم تخرج من القاهرة معلومة واحدة، باستثناء المؤتمر الصحفى العالمى للجنة التحقيق، الذى قال إن «الملاحظات التى تم جمعها لا تسمح بتحديد سبب تفكك جسم الطائرة فى الجو». أما الإعلام فاجتهد فى التغطية، لدرجة أن أحد المذيعين قال مساء الاثنين إن سبب الانفجار هو الماس الكهربائى الشهير. هذا هو دور الإعلام، المزيد من التعتيم، والتهويش، والتهريج فى قضايا لا تحتمل هذه السذاجة.

قبل أسبوع كتب الزميل محمد المنشاوى من واشنطن استغاثة لم تحرك ساكنا، «يقع مطار شرم الشيخ، ومكان سقوط الطائرة الروسية داخل الأراضى المصرية، فبالله عليكم أخبروا الحكومة بضرورة عقد مؤتمر صحفى مرة أو مرتين، أو حتى ثلاث مرات يوميا، للتعبير عن وجهة النظر الرسمية، والرد على أسئلة مئات الصحفيين ممن يتواجدون الآن فى شرم الشيخ».

وفى كارثة السيول انشغلت الصحف بمتابعة الضحايا فى البحيرة والاسكندرية فقط، بينما فى قرية صغيرة بالإسماعيلية، هى السبع آبار، انهارت بيوت طينية عتيقة وقتلت سيدتين على الأقل، فكم يبلغ إجمالى الضحايا بباقى قرى مصر، ونجوعها البائسة؟. لا المسئول يعرف أن مواطنيه اندفنوا تحت الحوائط، ولا الإعلام يكلف نفسه بالسؤال، فتغطية السيول فى الإعلام المؤيد هى التأكيد على أن المسئول يتابع، ويجتمع، ويهتم. والتغطية فى الإعلام المعارض هى أن السيول كانت «الرد الربانى على إغراق ‫السيسي‬ لغزة»، كما قالت قناة مكملين الإخوانية منذ يومين.

فى الشهور الأخيرة اختفى المئات من شباب مصر وناشطيها السياسيين، اختفوا. لكن أحدا لم يكن عنده معلومة، لا الصحافة المشغولة بالمسئولين، ولا المسئولين الذين توحدوا على عبارة واحدة: لا نعرف عن المذكور شيئا. حتى عندما كان المختفى رجل أعمال بحجم صلاح دياب تكررت العبارة: مش احنا اللى أخدناه.

وجريمة الزميل حسام بهجت أنه أراد اختراق العتمة مسلحا بالمهنية والشجاعة، بتناوله موضوعا نشره موقع بى بى سى ولم يكذبه المسئولون.

يريد المسئولون أن تصبح مصر بلدا مكتومة، لا يعرف أحد ما يجرى بجواره إلا إذا صادف المعلومة تنزفها مواقع التواصل الاجتماعى. ولم نعد نعرف أين تبدأ المعارك الإعلامية والسياسية، وأين تنتهى فى هذا الصندوق الأسود الضخم، الذى يظهر على خرائط جوجل باسم مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved