من ربح مفاوضات واشنطن المائية؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 10 نوفمبر 2019 - 5:05 ص بتوقيت القاهرة

ما الذى حدث فى مباحثات واشنطن بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والبنك الدولى؟!..

هل كسبت مصر بعض النقاط، أم نجحت إثيوبيا فى كسب مزيد من الوقت والمماطلة حتى تضع مصر أمام الأمر الواقع؟!.

الإجابة تتحدد بناء على المكان الذى تقف فيه وتنظر منه.

من وجهة نظر الحكومة المصرية فهناك العديد من المكاسب التى تحققت لصالحها. فهى ضبطت مسار المفاوضات ووضعت جدولا زمنيا واضحا ومحددا، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية. الوزير سامح شكرى قال إنه تقرر عقد أربعة اجتماعات عاجلة للدول الثلاث على مستوى وزراء الموارد المائية، وبمشاركة ممثلى الولايات المتحدة والبنك الدولى، تنتهى بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد خلال شهرين بحلول ١٥ يناير المقبل، على أن يتخلل هذه الاجتماعات لقاءان فى واشنطن فى ٩ ديسمبر و١٣ يناير ٢٠٢٠ بدعوة من وزير الخزانة الأمريكى ستيفن مينوشين لتقييم التقدم المحرز فى المفاوضات. وإذا تم التوصل لاتفاق فقد يحضره دونالد ترامب لأنه قد يستخدمه فى حملته الانتخابية.

الوزراء الثلاثة اتفقوا على أنه فى حال عدم التوصل لاتفاق بحلول هذا الوقت فسوف يتم اللجوء للمادة ١٠ من إعلان المبادئ لعام ٢٠١٥، أى طلب الوساطة، حتى يتم التوصل لاتفاق شامل وتعاونى ومستدام يحقق المنفعة المشتركة فى ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، وتأسيس عملية واضحة للوفاء بذلك الالتزام طبقا لإعلان المبادئ لعام ٢٠١٥.

من وجهة نظر إثيوبيا وكما جاء على لسان وزير الشئون الخارجية جيدو أندار جاشيو، فإن بلاده استغلت الاجتماع لإظهار موقفها الثابت من الاستخدام العادل لمياه النيل، وان الاجتماع كان مفيدا فى إزالة التشويش، وإنها ماضية فى بناء أكبر سد فى إفريقيا وأنها لا تنوى الإضرار بالآخرين، بل لتوليد الكهرباء، لأن ٧٠٪ من سكانها لا يحصلون على الكهرباء.

وكان لافتا للنظر إصرار إثيوبيا على أن ما حدث فى واشنطن ليس تفاوضا وأن أمريكا ليست وسيطا، وأنها شاركت فقط لتوضيح موقفها.

ما سبق كان وجهة النظر الرسمية لكل من مصر وإثيوبيا، وظنى أن ما حدث يمثل نقطة لصالح مصر، لكنه لا يعنى مطلقا، أن القضية قد حسمت بالضربة القاضية لصالحنا.

لماذا هى نقطة لصالحنا؟!.

لأن إثيوبيا كانت تمارس سياسة المماطلة وكسب الوقت، حتى تضعنا أمام الأمر الواقع، لكن الأهمية الحقيقية لهذه المفاوضات أو المباحثات، أنها ألزمت إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق، بعد شهرين من الآن، أو اللجوء إلى وجود وسيط دولى وهو ما كانت ترفضه تماما.

سيقول البعض إن إثيوبيا ستواصل نفس المماطلة، فماذا نفعل؟!. هذا صحيح تماما، والمؤكد أنها كانت تفعل ذلك داخل الغرف المغلقة فى المفاوضات الثلاثية. لكن الآن لم يعد متاحا لها ذلك، وستضطر إلى إظهار موقفها الحقيقى والنهائى أو الوصول لحل وسط. هى رفضت وقاومت كل المقترحات المصرية العادلة أو الذهاب للوساطة، لكنها اضطرت للقبول حتى لا تغضب أمريكا.

يقول البعض إن إثيويبا تقول إن ما حدث فى واشنطن لم يكن مفاوضات أو مباحثات فنية، بل مجرد جلسات كى يظهر كل طرف موقفه!!!.

لن ندخل فى جدل حول مسمى ما حدث فى واشنطن. لكن المؤكد أنها رفضت كل الوسطات الدولية خصوصا الروسية، لكنها قبلت بالدعوة الأمريكية، حتى لا تغضب دونالد ترامب، وبالنسبة لنا فالمهم هو ما الذى سيتحقق، وليس الوسيلة التى سيتحقق بها.

من المهم إذا واصلت إثيوبيا المماطلة، أن يعرف العالم كله خصوصا الدول الكبرى ذلك، ويكون شاهدا عليه، وداعما بأكبر قدر للموقف المصرى، وهو أمر شديد الأهمية فى المعركة الكبرى حول هذا السد.

قد يسأل البعض: وما الذى يجعلنا واثقين بأن الولايات المتحدة ورئيسها ترامب سيقفان بجوارنا فى هذه القضية الوجودية، هل ذلك لوجه الله أو من أجل سواد عيوننا؟!.

فى السياسة لا يوجد شىء مضمون، ولا يوجد أيضا شىء مجانا، وكل طرف يبجث عن مصالحه. لكن من المهم أن نكون واقعيين، وأن نستخدم كل أوراقنا التفاوضية، بأكبر قدر من الحنكة والمهارة، حتى نصل إلى حل لقضية سد النهضة، الذى يعتبر التهديد الأكبر والأخطر للأمن القومى المصرى ربما أكثر كثيرا من إسرائيل هذه الأيام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved