قراءة نقدية فى الدستور الجديد

محمد العجاتي
محمد العجاتي

آخر تحديث: الإثنين 10 ديسمبر 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

القراءة فى دساتير العالم تبين وجود أجيال مختلفة من الدساتير، الجيل الأول يتمثل فى الدساتير التاريخية والتى ظهرت مع التأسيس الأول لدول أو تغيرات كبيرة فى طبيعتها، مثل المجناكرتا فى بريطانيا أو الدستور الأمريكى. والجيل الثانى هو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية وهى دساتير ما بعد الاحتلال أو سقوط نظم ما قبل الحرب أى دساتير مرتبطة بإعادة بناء الدولة مثل الدستور الفرنسى والألمانى أو دساتير دول التحرر الوطنى.

 

 

أما الجيل الثالث الذى يمكن ان نطلق على دساتيره دساتير التحول الديمقراطى، والتى بدأت بالدستور الإسبانى بعد سقوط حكم فرانكو، ومن بعده الدستور البرتغالى، وما تبعها من دساتير سواء فى إفريقيا أو دول أوروبا الجنوبية أو دول أمريكا اللاتينية، ومن أبرز هذه الدساتير الهند، والبرازيل، وجنوب أفريقيا. وأهم ما يميز هذا الجيل الحديث، اللغة القانونية ذات البعد الأدبى والفلسفى، تعريف أى مفاهيم قد تثير خلافا أو تحد من حقوق واردة فى الدستور.

 

 

أما الحقوق والحريات فتستند فى هذه الدساتير على المواثيق الدولية بشكل أساسى كمرجعية لها. ويأتى فيها النظام السياسى أوسع للمشاركة من السلطات الثلاث ليدخل فاعلين جددا مثل المحليات والمجتمع المدنى والأحزاب السياسية كجزء من هذا النظام. ويعتمد هذا الجيل من الدساتير على المواد المفصلة، والتى تقوم فلسفتها على تضمين النص على الموضوع سواء قاعدة أو مبدأ أو سلطة من السلطات وتوضيح أهم ما يخصها من الصلاحيات أو الضمانات أو الاختصاصات واخيرا المحددات الخاصة بهذا الموضوع، بحيث لا يتمكن المشرع فى إضافة قيود من جانبه فى القوانين المرتبطة وتقتصر مهمته فقط فى تفسير ووضع العقوبات الخاصة بهذه المحددات وليس غيرها.

 

 

ورغم ان دستور مصر الجديد بعد ثورة 25 يناير يكتب بعد نحو أربعىن عاما من ظهور جيل جديد من الدساتير الحديثة، والتى تتشابه إلى حد كبير فى نشأتها مع ظروف مصر الحالية، فقد جاء الدستور أقرب للدساتير التقليدية (دساتير ما بعد الحرب العالمية الثانية) من حيث الشكل والمضمون.

 

•••

 

 فمن حيث الشكل جاءت مواده بلغة قانونية جامدة وعندما تم محاولة التفصيل ذهب إلى عبارات إنشائية أكثر منها عبارات ذات بعد فلسفى، ويظهر ذلك كثرة العبارات غير العلمية والمفاهيم غير المنضبطة مثل المواد (6 و7 و9). كما أن العديد من العبارات والمفاهيم المفتوحة غير المعرفة من الأمن القومى، لقيم المجتمع وأخلاقه، للنظام العام إلى آخر تلك المصطلحات التى إذا تركت بدون تعريف تفتح الباب للسلطات لتفسيراتها الخاصة التى تقود إلى الاستبداد.

 

 

كما نلاحظ كثرة الإحالة للقوانين أكثر من 70 مرة فى هذا الدستور، مع فتح الباب أما قوانين قمعية ضد الحريات العامة والشخصية مثال (مادة 10 و12).

 

أما من حيث المضمون فقد جاء باب الحقوق والحريات معتمدا على الجهد الذاتى والتراكم التاريخى، وتجاهل تماما بل اتخذ موقفا عدائيا من المواثيق الدولية التى نصت 16 دولة عربية عليها سواء فى دساتيرها أو قوانينها الأساسية ومن بينها السعودية مادة 70و81، والسودان (مادة 27و49)، كما أنها لم تستبدلها بالمواثيق الإقليمية العربية الصادرة عن جامعة الدول العربية أو الإسلامية الصادرة عن منظمة المؤتمر الإسلامى. كما أن كثيرا من المواد تطلق الحريات ثم تعود لتقيدها (مثال: الصحافة 48 ــ مخاطبة السلطات 55). غياب الآليات واضحة العبارات التى تحمى الفئات المهمشة أو الضعيفة «الفلاحين، والمرأة والعمال على سبيل المثال» أو المسئولين عن توفير الخدمات المرتبطة بهذه الحقوق مثل المعلمين والأطباء.

 

فيما يخص النظام السياسى ركز على تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث، وما زالت الأولوية فيه للسلطة التنفيذية على حساب الهيئات المنتخبة، عبر غياب نصوص توسع من الهيئات المنتخبة بدلا من المعينة (العمد ــ المشايخ ــ عمداء الجامعات ــ ... إلخ). كما أن سلطات الرئيس التى تبدو محدودة فى الفصل الخاص برئيس الجمهورية تتضخم إذا أضفنا لها صلاحيات فيما يخص عمل مجلس النواب والقضاء والمجالس المستقلة وهو ما يجعله أشبه بشخص فوق كل السلطات إضافة إلى النص على كون رئيس السلطة التنفيذية»، وفى نفس الوقت «يرعى الحدود بين السلطات»، فإنه نص يهدر مبدأ فصل السلطات.

 

 

ويعطى الدستور صلاحيات واسعة للمؤسسة العسكرية، إذ يحفاظ لها تماما على مميزاتها، ويخرجها عن أى رقابة ممكنة عبر تأسيس مجلس الدفاع، مع قدرتها على التدخل فى حياة المدنيين من خلال القدرة على محاكمتهم، كما أن غياب تعريف لمفهوم الأمن القومى ووضعه كشرط للعديد من المواد تطلق يد المؤسسة العسكرية وتجعلها وصية على الدولة. وفى هذه النظرة الجامدة لمفهوم السلطات تم تهميش المجتمع المدنى والهيئات المحلية المنتخبة فى العملية السياسية ومشاركتها فيها.

 

 

أما مجلس النواب فقد أعطاه الدستور صلاحيات تشريعية عبر مراجعة الميزانية وإمكانية تعديلها وهو امر ايجابى كما ان إجراءات سحب الثقة المنصوص عليها قد منحته القوة اللازمة للرقابة على الحكومة، إلا أنه فى ظل عمله تحت وصاية السلطة التنفيذية الممثلة فى الرئيس ورقابة مجلس الشورى، يفقد بشكل كبير الفاعلية الواجبه لأداء دوره. أما ما يتعلق بالسلطة القضائية فقد تجاهل مطالب القضاة حول تبعية التفتيش القضائى للمجلس الأعلى للقضاء بدلا من وزارة العدل وهو عنصر حاسم فى استقلالية السلطة القضائية إذ إن الوضع الحالى يجعله تحت سيف السلطة التنفيذية.

 

تجدر الإشارة هنا للبعد الاقتصادى الذى يفتقد للمهنية بشكل كبير لدرجة عدم استخدام المصطلحات الدقيقة وأحيانا استخدام مصطلحات سقطت من الأدبيات الاقتصادية منذ ما يقرب من 50 عاما، مثل مصطلح «الجباية». كما أن مادة الضرائب واستخدامها لمصطلح «إنشاء ضرائب» بدلا من «فرض الضرائب» يعطى الحق للسلطة التنفيذية تعديل أو زيادة أو توسيع نطاق ضريبة تم إنشاؤها سابقا دون قانون أى أنه يسمح للسلطة التنفيذية بالتحايل على السلطة التشريعية فى هذا المجال.

 

 

وتعبر المادة 14 بوضوح عن غياب المفاهيم الحديثة واستخدام ألفاظ غير منضبطة كمصطلح «التنمية المستدامة» الذى استبدل بـ«التنمية المطردة».«تحمل تكاليف التنمية»: تحميل العامل عبء دون أن يكون طرفا فى التخطيط». «ربطها الأجر بالإنتاج»: الذى يعتبر مخالفا لكل الأعراف الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية فالإنتاج يرتبط بالبدلات والحوافز. أما أجر المواطن فيربط بالأسعار. كما فتحت باب الاستثناء أمام الحد الأقصى للأجور عبر قانون.

 

•••

 

هذا بعض من كل بخصوص ما جاء فى الدستور الذى يعبر عن خلفيات كاتبيه أكثر من الرؤية الوطنية الجامعة، كما أنه من الواضح وجود تفسير خاص لبعض التيارات المشاركة فى كتابة الدستور لبعض المواد مختلفا عن التفسير الشائع سيحاولون فرضه مستقبلا (مثل مادة: العقوبة بنص الدستور ــ أخذ الرأى قبل التشريع ــ وغيرهما).

 

 

وبعض المواد الدستور تتعارض بشكل أساسى مع ما ورد فى ديباجة الدستور عن الحرية مثل: العمل الجبرى، محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، إغلاق الصحف، حل الأحزاب، عمل الأطفال... الخ. حتى وإن نص الدستور على انه ينظمه القانون، إلا ان هذه المبادئ كانت تستوجب، اتساقا مع أهداف الدستور المذكورة فى الديباجة، حظرها بشكل كامل. فبعد ثورة سيتم تصنيفها على أنها ترسخ لجيل حديث من الثورات اختار القائمون على كتابة دستورها دستورا من نوعية عفا عليها الزمان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved