«أميرة» مختطفة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 10 ديسمبر 2021 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

 

«أميرة» شابة فلسطينية تكتشف بعد مرور سنوات طويلة على مولدها، أنها لم تأت إلى الحياة، بنطفة مهرّبة من والدها الأسير فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، بل تم استبدال النطفة بأخرى لجندى صهيونى!
ما سبق هو ملخص قصة فيلم «أميرة»، الذى أثار عاصفة هائلة من الغضب والنقد والجدل، إثر عرضه ضمن مهرجان «كرامة لأفلام حقوق الإنسان»، فى العاصمة الأردنية عمان، حيث اتهمه الكثيرون بـ«الإساءة للأسرى وللأبناء المولودين من تلك النطف» والذين يطلق عليهم لقب «سفراء الحرية»، وأنه يدعم الرواية الإسرائيلية بشأن تهريب النطف، الذى يعتبر شكلا من أشكال النضال الفلسطينى ضد المحتل الصهيونى.
فيلم «أميرة» إنتاج أردنى فلسطينى مصرى مشترك، وأخرجه المصرى محمد دياب، الذى سارع إلى إصدار بيان أعلن فيه «وقف أى عروض للفيلم»، الذى عرض سابقا فى مهرجان فينيسيا وتبعه عرضان فى مهرجانى الجونة وقرطاج، وذلك إثر عاصفة الغضب التى تعرض لها فى الأردن وفلسطين.
دياب قال فى بيانه أيضا إن «قصة الفيلم خيالية»، مضيفا أن «الحبكة الدرامية الخاصة بالفيلم بتغيير النطف (بين الأسير الفلسطينى والجندى الإسرائيلى) جاءت لتطرح سؤالا وجوديا فلسفيا حول جوهر معتقد الإنسان وهل سيختار نفس اختياراته لو وُلد كشخص آخر»، مؤكدا أن «الفيلم مرة أخرى ينحاز لفلسطين، فالبطلة أميرة تختار أن تكون فلسطينية وتختار أن تنحاز للقضية العادلة».
بالتأكيد من حق صناع السينما إطلاق العنان لخيالهم، حتى يقدموا لنا منتجا إبداعيا وثقافيا راقيا، ولا يجوز الحجر بأى طريقة على أفكارهم ورؤيتهم الفنية، أو وضع ضوابط أو خطوط حمراء مغلفة بحجج سياسية واجتماعية وأخلاقية، تجعلهم يلتفتون يمينا ويسارا قبل تناول أى موضوع أو قضية مثيرة للجدل.
لكن فى شأن قضية حساسة وشائكة ولها قدسية وأهمية بالغة لدى الكثيرين فى العالم، مثل قضية الصراع العربى الإسرائيلى، يجب على المبدعين العرب التأنى جيدا والتدقيق الشديد فى منتجهم الإبداعى، خشية أن يدعم من دون أن يدروا الرواية الإسرائيلية التى تحاول محو القضية من جذورها، أو ترسيخ أفكار خاطئة عنها تحرم الفلسطينيون من حقوقهم التاريخية المشروعة.
المخرج المصرى يقول إن «قصة الفيلم خيالية»، لكننا نسأله: أليس هناك عناصر حقيقية ونماذج واقعية للتمسك بالأرض والمقدسات والكفاح فى تاريخ النضال الفلسطينى الممتد على مدى عقود كثيرة مضت ضد المحتل الصهيونى، تستحق أن تكون حاضرة وبقوة على شاشات السينما، لكى تظل القضية حية فى ذاكرة الأجيال العربية الجديدة، التى ربما لا تسعفها الظروف أو تغرقها تفاصيل الحياة اليومية وتمنعها عن الإلمام والمعرفة الحقيقية بتاريخ وتفاصيل القضية؟
أليس فى قضية الحركة الفلسطينية الأسيرة نفسها، من عناصر رائعة للتمسك بالأرض والمقدسات، تحتاج منا جميعا إلى الوقوف أمامها وتناولها بكثرة، لنصنع منها عناصر روايتنا الخاصة الملهمة، حتى تكون عنوانا وسلاحا للصمود والمقاومة فى وجه الرواية المضادة للعدو، التى تحاول تفريغ القضية من محتواها وجوهرها الحقيقى، وتلقى اللوم على الضحية الفلسطينى، وتمنح الجلاد الصهيونى شهادة براءة ذمة من جرائمه المروعة فى حق البشر والحجر والمقدسات منذ أكثر من 70 عاما؟
ألم يكن من الأولى بالفيلم الذى يخرجه ويمثله وينتجه عرب، أن يقدم محتوى مختلفا، يدعم به صمود وتحدى ومقاومة هؤلاء الأسرى لسجانهم الصهيونى، وقدرتهم على إنجاب أجيال جديدة من وراء أسلاك المعتقلات، لتواصل النضال ضد المحتل حتى تتحرر فلسطين من هذا الكيان الغاصب، بدلا من التشكيك المشين والمهين فى أنساب أبنائهم؟!
«أميرة» من وجهة نظر الغاضبين من الفيلم ترمز إلى فلسطين، وعندما يتم التشكيك فى هويتها وانتمائها، فإن هذا التشكيك يمتد إلى القضية الفلسطينية نفسها، التى لا تزال حاضرة وبقوة فى قلب كل عربى غيور على أرضه ومقدساته وحقوقه التاريخية، رغم محاولات الهرولة والتطبيع التى تمارسها دول وحكومات عربية مع دولة الاحتلال.
نتمنى من مخرجنا المصرى تصحيح الخطأ وتعديل المسار، حتى لا نكون جزءا من مشروع متكامل يستهدف إبقاء «أميرة» محتلة ومختطفة وأسيرة لدى المحتل الإسرائيلى، والعمل الجاد من أجل إبراز قضيتنا العادلة التى يحاول البعض، عبر التطبيع الثقافى والسياسى والاقتصادى، محوها من ذاكرة الأجيال القادمة، وتزييف وعيها بشكل منظم حتى لا يقدموا الدعم إلى «أميرة» كى تفلت وتتحرر من أسر خاطفها الصهيونى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved