حول أزمة إعطاء الحقن فى الصيدليات

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الأحد 11 ديسمبر 2022 - 1:06 ص بتوقيت القاهرة

أُثيرت فى الآونة الأخيرة أزمة غريبة حول إعطاء الحقن فى الصيدليات، تفاصيل هذه الأزمة كشفت للأسف خللا كبيرا فى الأوليات للسياسات الصحية، وأزمة أكبر عن كيف يكون هناك انفعال واهتمام بحدث كان يمكن بتنظيم بسيط وغير مكلف تجنبه.
بدأت الأزمة عندما قُدمت شكوى ضد أحد الصيادلة لحدوث ضرر طبى نتيجة إعطاء الحقنة داخل الصيدلية، تبعها مطالبات بمنع إعطاء حقن داخل الصيدليات بشكل تام وأن يكون ذلك تحت إشراف الطبيب أو الطبيبة فقط. وبالطبع أثار ذلك تحفز الصيادلة الذين اعتبروا ذلك تقليلا من دورهم، فهم يقومون بذلك منذ عشرات السنين إلخ.
• • •
وفى هذا السياق، إذا سألت السؤال الخاطئ لا تتوقع الحصول على إجابة صحيحة، فإن القضية ليست هى من يعطى الحقن إن كان ذلك الطبيب أو الصيدلى أو أى عضو من الفريق الطبى. عودة ظهور هذه المشكلات بين الحين والآخر يشير إلى فجوة فى التشريعات الصحية والطبية. على سبيل المثال، لا يوجد تنظيم واضح يحدد دور الصيدلى أو الصيدلانية، أو يوضح ما هى الأدوية المسموح له/لها بصرفها دون روشتة، أو ما هى الأدوية التى يلزم الحصول على روشتة حديثة لصرفها؟ لماذا يظل صرف المضادات الحيوية رغم كل ما قيل عن خطورة ذلك دون أى تنظيم أو قواعد؟. لماذا يتم السماح بعمل غير الصيادلة فى الصيدليات الخاصة؟ لماذا لم يتم تنظيم وظيفة مساعد الصيدلى طوال هذه السنوات؟ لذلك، هناك فجوة رهيبة فى التشريعات المنظمة لهذا المجال وليس من الواضح بعد لماذا لا تتدخل هيئة الدواء أو وزارة الصحة حتى الآن؟ لماذا كل هذا الانتظار لحدوث أزمة تثير رد فعل مجتمعيا لبدء النقاش؟ لقد كان سبب إنشاء هيئة الدواء أصلا إزالة عبء إدارى وتنظيمى من على كاهل وزارة الصحة. ولكن بعد مرور على الأقل عامين على نشأتها لم يحدث أى تحسن ملموس فى المشكلات التنظيمية المتكررة حول حدود دور الصيادلة.
النقطة الثانية التى يثيرها هذا الموضوع، ويحتاج لكثير من الصراحة، هو اعتماد تمويل الصحة فى مصر على المواطن والمواطنة من خلال الإنفاق من الجيب بنسبة تصل للثلثين، يذهب نحو 40% من هذا الإنفاق من الجيب على شراء الأدوية فقط من الصيدليات الخاصة. إذن هناك أصلا أزمة كبيرة واضحة وقديمة تثبتها الحسابات القومية للصحة، وهى أن هناك أموالا كثيرة تذهب لشراء الدواء عبر الإنفاق من الجيب. لماذا يحدث هذا؟ أولا للضعف الشديد فى القطاع العام وعدم جاهزيته، وارتفاع أسعار الخدمة الصحية الخاصة لأسعار خيالية لا يقدر عليها الأغلبية الساحقة من المواطنين والمواطنات، وبالتالى الحل المتاح أمام المريض أو المريضة أن يلجأ أو تلجأ لأقرب صيدلية من بيته ويسأل الصيدلى عن دواء يخفف من الآلام.
إذن أساس المشكلة فى هذه الحالة هو غياب شبكة الرعاية الصحية الأولية المتكاملة، وتدنى كفاءة انتشارها الجغرافى فى كل حى وتجمع سكانى، وعدم تنظيم تقديم الخدمة بين أفراد الفريق الطبى، وظهور مشاحنات لا معنى لها على الإطلاق.
النقطة الثالثة، وهو مفهوم يحتاج نقاشا بهدوء وهو الاعتماد المفرط على الطبيب أو الطبيبة، فالفريق الطبى يتكون من طبيب/ة، وممرض/ة، وعامل فنى، وصيادلة، ومسعفين. وبعض الدول تعتمد على ما يسمى عامل صحة المجتمعcommunity health workers أى بتعبير آخر الوظائف المساعدة للطاقم الطبى، ولهم دورهم المثبت أهميته فى الأنشطة الوقائية ودعم الفرق الطبية وإزالة عبء كبير عن الأطباء. يجب أن يتم مناقشة هذه الأمور من خلال تنظيم واضح لدور أفراد الطواقم الطبية بهدوء ودون أى مشاحنات لا معنى لها وهناك تجارب كثيرة إن كانت هناك رغبة فى حل الأزمات دون الدخول فى جدل حول أهمية الوظيفة الفلانية أو دور القطاع المعين، الذى فى النهاية لن يقدم أى نتائج ملموسة أو حلول. فكل فرد من أفراد الفريق الطبى مهم وله دوره، وله تقديره واحترامه، لا مجال لأى مقارنات أو خلافات لن تقدم أو تأخر.
• • •
وفى هذا السياق، يتكرر النقاش حول ضرورة إصدار قانون للمسئولية الطبية تقريبا بشكل موسمى منذ عشرين عاما، دون ظهور نتائج أو البناء على مجهود سابق قد تم عمله، ما نحتاجه هو حوار جاد فعال يهدف لحماية حق المريض/ة وحق الفريق الصحى كله، وتتم الاستعانة فيه بأهل العلم والخبرة فعلا لا أن يكون هدف الحوار رد فعل سريع غير مدروس على حادثة أثارت رد فعل مجتمعيا، فيكون الهدف أننا سنصدر قانونا للمسئولية الطبية لاحتواء الغضب؛ بل أن يكون القانون قائما على معايير عالمية معروفة للمفاهيم حول الموضوع ونماذج عالمية وإقليمية لمثل هذه التشريعات الهامة وأن يكون معروفا أن الأخطاء واردة حتى لو كانت كل الإجراءات سليمة فنحن بشر فى النهاية، ولكل تدخل طبى هناك نسبة عدم نجاح معروفة مسبقا، وأن دور الفريق الصحى بذل أقصى جهد وفى توقيت مناسب وليس ضمانا كاملا للنتيجة، وعموما فالتعويض المادى والأدبى عن الخطأ له نماذج عالمية معمول بها، وليس من ضمنها السجن.
والسرعة والانفعال فى إصدار أى قانون «وخلاص» لن تكون مفيدة بأى شكل، فالنقاش والفكرة مطروحة منذ عشرين سنة، ثم تنتشر ولا يتم الاستفادة من خلاصة النقاشات السابقة، والأهم لا يتم إشراك أصحاب المصلحة الأصليين المواطنين والأطباء والصيادلة والتمريض والفنيين والمسعفين والفنيين فى تلك النقاشات، فالقانون سار عليهم جميعا، ويجب أن يكون هناك صدر رحب فى تلقى تعليقات الخبراء أو المستقلين من المجتمع المدنى، فصدور قانون حتى ولو بعد وقت طويل لكن تناقش الجميع حوله وتمتع بقبول مبدئى من جميع الأطراف أفضل ألف مرة من صدور قانون عليه جدل وفى النهاية قد يكون صعب تطبيقه، ولنا فى ذلك خبرات كثيرة من صدور تشريعات دون نقاش واتفاق بين أصحاب المصلحة ولم يتم التنفيذ أبدا وظلت هذه التشريعات حبيسة الأدراج.
وفى الخلاصة، فإن القصة أو الأزمة أعمق من رفض الصيدليات إعطاء حقن، الموضوع أن هناك خللا واضحا فى تنظيم تقديم الخدمة وتنظيم العاملين الصحيين عموما، وهناك عدم وضوح فى الترخيص والاعتماد، وظهور هذه المشكلات مرتبط بعدم تدعيم شبكة الرعاية الأولية.
خبير سياسات صحية


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved