من أوراق معتقل سابق

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: السبت 11 يناير 2014 - 8:50 ص بتوقيت القاهرة

مكثت قرابة ربع قرن فى السجون المصرية.. ذهبت إلى معظم السجون المصرية من دمنهور شمالا ً وحتى الوادى الجديد جنوبا .. بعض السجون عشت فيها.. وبعضها ذهبت إليه محاضرا ً مع آخرين أثناء مبادرة «منع العنف».. لى فى كل سجن من هذه السجون ذكريات جميلة وأخرى مؤلمة جدًا.. تعودت أن أنسى كل ذكرياتى المؤلمة مسحتها جميعا ًمن ذاكرتي.. عشت دوما ًمع كل الذكريات الجميلة فيها.

ها هنا شرحت أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) للإخوة.. وهنا كتبت أجمل كتبى.. وفى هذا المخبأ خبأت أوراقى وأقلامى والراديو.. وفى هذا المكان كنت أعالج المرضى.. لم أضيع لحظة واحدة دون فائدة.

أما ذكرياتى المؤلمة جدا ً فلا أحب أن أتذكرها أو أذكرها.. لأنى أكره الأحقاد فهى تحرق قلب صاحبها قبل أن تحرق قلوب الآخرين.

تذكرت كل ذلك كله مع تذكرى للآلاف الموجودة الآن فى السجون المصرية.. أكثرهم لا خبرة لهم بالسجون.. وها أنذا أكتب لهم خلاصة تجربتى التى كنت أقولها دائما ً لإخوانى من قبل.. حتى يعيشوا فى سلام مع أنفسهم ومع إخوانهم ومع إدارة السجن وأهمها ما يلى:

السجن قدر كما قال ابن تيمية.. فقد حاول سيدنا يوسف أن يبلغ رسالة براءته إلى الملك عبر سكرتيره الذى أوّل له الرؤيا.. ولكن السكرتير نسى الأمر بعد خروجه.. « َأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ».. فعلى كل من سجن أن يجهز الرضا عن الله وعن قدر الله وإياه والتسخط.. وصدق المعصوم (صلى الله عليه وسلم) فى قوله «فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط».. فقد رأيت أكثر الناس صبرا ً وثباتا ً ورجولة أرضاهم بقدر الله.

السجن ضيق فوسعوه بأخلاقكم.. فالمكان يتسع ويضيق بأخلاق أصحابه.

تالله ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق

اهتموا بمعالى الأمور واتركوا سفاسفها.. ولا تستجيبوا لطبيعة السجون التى تضيق أفق الإنسان وتحصر اهتمامه فى توافه الأمور.. وتستغرق وقته فى جدل عقيم حول قضايا ظاهرها ضخم وحقيقتها تافهة.. وعلى كل السجناء أن يعيشوا مع الحديث الشريف «أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا».

من رحمة الله بعبده المكروب أن جعل مع العسر يسرا ولم يجعله بعده «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».. وكلما كان العسر كبيرا ًوالبلاء شديدا ًكان اليسر كذلك عظيما ً وكبيرا ً.

أشد الأوقات ظلمة هى التى تسبق طلوع الفجر.. وأشد الأوقات بردا ً فى الشتاء هى التى تسبق طلوع الشمس.. فلا ييأس أحد من رحمة الله ولا يقنط من فرج الله.. وهناك حديث شريف صحيح ورائع كنا نردده دائما ًوهو «انتظار الفرج عبادة».

لا داعى للبحث عن المخطئ والمصيب فى السجن ولا لتحميل المسئولية لفلان أو فلان.. لأن ذلك سيجعل كل شخص يتمسك بموقفه ويدافع عنه.. ولكن علينا الاهتمام بالمراجعة الشاملة للأحداث بتجرد وإنصاف واستخلاص العبر والدروس وتصحيح المسار والحذر من نظرية المؤامرة التى أفسدت العقل العربى والإسلامي.. مع طى صفحة الماضى بما فيها لاستقبال عهد جديد يكون فيه الخير وتكون فيه الحكمة أعمق ويكون فيه الصلاح أبلغ وتكون فيه هداية الخلائق أعظم وأهم.. فالمشروع الإسلامى فى أساسه هو مشروع هداية والسلطة فرع عليها.

هذا ما كنت أقوله لإخوانى قديما ً.. فهل يصلح لسجناء اليوم.. أم ماذا؟!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved