عقاب مجتمعى!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 11 يناير 2019 - 11:35 م بتوقيت القاهرة

متى يعاقب الشعب رئيسه؟. يعاقبه حين يتملكه الغرور ويتصور نفسه وصيا على مواطنيه.. يحدد لهم طريقة حياتهم وسلوكياتهم، وحين يتدخل فى علاقاتهم بربهم ويحدد لهم أسلوب تدينهم، وحين يحاول فرض رؤيته الأحادية عليهم فى جميع المجالات، وحين يتملكه تصور خاطئ بأنه الوحيد الذى يحتكر «الحقيقة المطلقة»، وأن الباقى مجرد قطيع لا يعرف وجهته وعليه تنفيذ الأوامر التى تصدر إليه من دون نقاش أو جدال.

ما يحدث فى تركيا خير دليل على هذا العقاب، اذ كشفت دراسة لمعهد «كوندا» لاستطلاعات الرأى فى تركيا، عن تراجع واضح فى تدين الأتراك ولدور الدين بشكل عام فى سلوكياتهم اليومية. الدراسة التى نشرها موقع «دويتشه فيلا»، ذكرت أنه بعد عقد ونصف العام من وصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم، فقد حدث تراجعا فى تدين الأتراك، رغم محاولاته المستمرة لاضفاء طابع إسلامى محافظ على المجتمع.

الدراسة التى أجريت على 5793 من المواطنين الأتراك فى 36 منطقة شملت المدن والقرى، أظهرت انخفاض نسبة الأتراك الذين يصفون أنفسهم بـ«المتدينين» خلال عشر سنوات من 54% إلى 51%. أما «المتدينين بشكل عميق» فلم تعد نسبتهم تتعدى عُشر الأتراك. وهناك تركيان من أصل ثلاثة يصومون شهر رمضان، فيما كانت هذه النسبة تمثل 77%. أما عدد الملحدين فتضاعف ثلاث مرات.

نتائج هذه الدراسة تمثل عقابا من المواطنين الأتراك لأردوغان، الذى سعى خلال السنوات الماضية إلى فرضه رؤيته الدينية على المجتمع التركى ذى التوجه والطابع العلمانى، وذلك عن طريق الكثير من الخطوات والقرارات مثل حظر التلفزيون التركى 202 أغنية من البث لأسباب «أخلاقية وسياسية» خلال عام 2017، ورفع وزارة التعليم التركية العام الماضى، ميزانية التعليم الدينى بنسبة 68% ليصل إلى 1.3 مليار يورو، وارتفاع عدد المؤسسات التعليمية الدينية فى عهد أردوغان من 450 إلى 4500، والمصادقة فى عام 2014 على إلزامية دروس التربية الدينية حتى الصف الثالث الابتدائى وإدراج اللغة التركية العثمانية فى المناهج الدراسية كمادة إلزامية، فيما جرى إلغاء درس حقوق الإنسان وإدراج محتواه مع درس العلوم الاجتماعية.

نتائج هذه الدراسة تدل على ان أردوغان ــ شأنه شأن الكثير من الحكام الديكتاتوريين الذين ابتلى بهم هذا العالم ــ يتصور انه يستطيع تغيير هوية المجتمع بقرارات فوقية من دون مراعاة للتنوع والاختلاف الثقافى والايديولوجى، متخطيا حدود ومهام وظيفته المتمثلة فى ادراة شئون الدولة فقط، والتى ليس من بينها التدخل فى علاقة الإنسان بربه.

لمسنا هنا فى مصر وضعا مشابها ابان حكم جماعة الإخوان( 2012ــ2013)، حيث حاولت تلك الجماعة جر البلاد إلى منطقة متشددة دينية، وتغيير وجه وهوية المجتمع وثقافته، وزجه إلى وجهة لا ترضى جميع مكوناته وأطيافه، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح ولفظها المجتمع سريعا، بعد شعوره بالخطر من هذا التوجه، اضافة إلى فشل الجماعة فى ادراة شئون البلاد سياسيا واقتصاديا.

الدرس الذى ينبغى على أى حاكم استيعابه من مثل هذه التجارب، ان التحرش بقيم وهوية المجتمعات تعد «خطا أحمر»، لا ينبغى له الاقتراب منه أو العبث فيه، وان دوره ينحصر فقط فى العمل على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، والقضاء على الفقر والبطالة وتأمين الحياة الكريمة لشعبه، وتطوير الحياة السياسية فى البلاد، واحترام الدستور والقانون، وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع مواطنيه.

أما تدخل الحاكم فى طريقة تدين شعبه وعلاقاته بربهم، فهى مسألة غير محمودة العواقب على الإطلاق، ولعل أقل من يمكن للمواطنين أن يفعلوه فى مثل هذه الحالات هو التجاهل التام وعدم التفاعل مع ذلك التوجه، بل والانقلاب عليه كما حدث مع أردوغان، عندما تضاعف عدد الملحدين فى تركيا ثلاث مرات!!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved