مستقبل أمريكا الديمقراطى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 11 يناير 2022 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكت سينديكت مقالا لجايمس جالبراث... نعرض منه ما يلى.
كان الشذوذ الأكبر فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى عام 2020 متمثلا فى حقيقة مفادها أن جو بايدن فاز بالتصويت الشعبى الوطنى بفارق سبعة ملايين صوت، لكنه كان على مسافة 43 ألف صوت من خسارة المجمع الانتخابى، وبالتالى الانتخابات.
حتى الآن فى قرننا هذا، حقق باراك أوباما وحده انتصارات حاسمة فى كل من التصويت الشعبى والمجمع الانتخابى. فى عام 2000 وفى عام 2016، خسر الفائز بالتصويت الشعبى الانتخابات. وفى عام 2004، تحولت النتيجة بسبب ولاية واحدة؛ أوهايو. هذا الشذوذ ليس مستمرا وحسب، بل إنه دستورى، وهو ما يجعله عمليا غير قابل للحل.
مع ذلك، كانت انتخابات 2020 انتصارا للديمقراطية. كان الإقبال على صناديق الاقتراع أعلى من أى انتخابات سابقة. اضطرت جائحة كورونا المسئولين عن الانتخابات إلى الإبداع، وقد فعلوا ذلك من خلال التصويت الموسع عن طريق البريد، وأيام التصويت المبكر، والتصويت على مدار 24 ساعة، وتخصيص أماكن للتصويت دون مغادرة السيارة. قبل يوم الانتخابات، كان عدد من أدلوا بأصواتهم أكثر من 100 مليون.
يُلقى اللوم عن نسبة المشاركة الضعيفة فى الانتخابات الأمريكية عادة على عدم المبالاة من قِـبَـل الناخبين، لكن انتخابات 2020 أثبتت أن المشكلة الحقيقية كانت دوما تكمن فى الحواجز التى تحول دون إدلاء الناخبين بأصواتهم. فى انتخابات سابقة، كانت أماكن الاقتراع شحيحة، وكانت أوراق الاقتراع طويلة ومعقدة، وكانت العملية برمتها بطيئة، حيث امتدت الطوابير فى كثير من الأحيان لساعات طويلة. وعلى هذا فإن انتخابات 2020 كانت تجربة ضخمة غير مقصودة فى تفجير الحواجز التى تمنع الناس من الإدلاء بأصواتهم ــ وقد نجحت.
يستشهد الذين يزعمون حدوث احتيال الآن بالزيادة الهائلة فى الإقبال على التصويت كدليل. الواقع أن النمو الذى شهده الإقبال فى ما يسمى الولايات المتأرجحة لم يكن أكبر مما كان عليه فى الولايات حيث لم تكن النتائج موضع تساؤل أو تشكيك. ولا تبدو عملية فرز الأصوات مثيرة للريبة. إذ يجرى تسجيل الأصوات والإبلاغ عنها من قِـبِـل كل مقاطعة، وليس فقط على مستوى الولاية.
لماذا فاز بايدن؟ تحتوى بيانات الاقتراع على إجابة بسيطة. مقارنة بعام 2016، كان أداء ترامب أفضل مع النساء، والسود، والإسبانيين، لكنه خسر الأرض مع الرجال من ذوى البشرة البيضاء، الذين تحولوا بنحو خمس نقاط مئوية نحو بايدن. كان هذا التحول مدفوعا بشكل أساسى بالرجال الذين صوتوا لصالح أوباما فى عام 2008 ثم فى عام 2012 لكنهم اختاروا ترامب وليس كلينتون فى عام 2016. وأحدثت عودتهم الفارق فى ثلاث ولايات متقاربة ــ متشيجان، وبنسلفانيا، وويسكونسن ــ كانت حاسمة فى عام 2016. فضلا عن كونها قريبة، لم تكن الولايات المتأرجحة استثنائية؛ وكان التحول فى المجمل باتجاه بايدن أكبر بعض الشيء فى ولايات أخرى، بما فى ذلك كاليفورنيا، وتكساس، ونيوجيرسى.
لا يخلو الأمر من مفارقة كبرى فى الكيفية التى تجرى بها الانتخابات الرئاسية الأميركية الآن. الواقع أن الولايات التى سجلت أكبر نمو فى فجوة التفاوت فى الدخل منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين تصوت على نحو ثابت لا يتغير لصالح الديمقراطيين. أما الولايات حيث سجلت فجوة التفاوت نموا أقل (وإن لم يكن بالكامل) فإنها تصوت لصالح الجمهوريين. كان هذا النمط واضحا لعقود من الزمن، وهو يزداد قوة مع كل انتخابات رئاسية.
تُـرى ما الذى قد يفسر هذه الحال؟ لا يتعلق الأمر بالمواقف تجاه التفاوت بين الناس ــ فأغلب الناس لا يعرفون (أو لا يبالون) بمستويات التفاوت فى ولاياتهم. الأمر بالأحرى أن الحزب الديمقراطى تحول إلى تحالف يتألف من مجموعتين رئيسيتين تمثلان ذيلى التوزيع: المهنيين من ذوى الدخل المرتفع فى المناطق الحضرية، والأقليات المنخفضة الدخل. تتركز معاقل الجمهوريين فى الضواحى الخارجية، والبلدات الصغيرة، والمناطق الريفية، عند منتصف سلم الدخل. وعلى هذا، يهيمن الجمهوريون على الأماكن حيث فجوات التفاوت أقل اتساعا، فى حين يهيمن الديمقراطيون حيث فجوات التفاوت أكثر اتساعا. إنه نمط بسيط ومتسق ومقنع.
تتجلى التداعيات المترتبة على هذا النمط فى الجنوب والجنوب الغربى، حيث تنمو الأقليات بسرعة، وحيث تكتسب المدن تدريجيا موقعا مسيطرا مقابل البلدات والمناطق الريفية.
أجـرَت الهيئات التشريعية الجمهورية حساباتها، وخاصة فى الولايات الجنوبية والجنوبية الغربية، وهى الآن مذعورة. لهذا السبب عملت على تحويل تجارب الوصول إلى أوراق الاقتراع الكبرى فى عام 2020 فى الاتجاه المعاكس. وكان شعار الحزب الجمهورى غير المعلن هو: إعادة الناخبين الأمريكيين إلى الطوابير الطويلة! الهدف هنا هو إثناء أكبر عدد ممكن من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم على الإطلاق.
إذا فشل الكونجرس الأمريكى الآن فى حماية حقوق التصويت، فقد تنجح هذه الاستراتيجية لبعض الوقت، وخاصة فى انتخابات التجديد النصفى التى تتسم بانخفاض معدلات الإقبال هذا العام. وقد يتعثر الديمقراطيون لأسباب أخرى فى عام 2024. لكن قمع الناخبين من غير الممكن أن ينقذ الجمهوريين. فالتصويت عادة، ومن الصعب كسر العادات. لقد أصبحت علامات التحذير بادية للعيان.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved