تبعات الفراق بين حمدوك والبرهان

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 11 يناير 2022 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

عقب القرارات التى اتخذها الفريق الركن عبدالفتاح البرهان فى 25 أكتوبر2021 والتى أقال بموجبها حكومة د. عبدالله حمدوك، وتم اعتقاله هو وبعض أعضاء حكومته، ثم وضعه تحت إقامة جبرية، ووقف العمل بالوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين العسكرى والمدنى فى السودان فى إبريل 2019، وحل مجلس السيادة الذى كان يترأسة البرهان، اندلعت مظاهرات احتجاجية فى السودان مطالبة بعودة حكومة حمدوك، وإلغاء القرارات التى اتخذها البرهان فى 25 أكتوبر 2021، وتواكب مع ذلك مطالبات خارجية، إقليمية ودولية، بضرورة وأهمية عودة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وحكومته لاستكمال المرحلة الانتقالية وفقًا للوثيقة الدستورية.
وأبدى الفريق الركن عبدالفتاح البرهان تجاوبا، وعاد حمدوك، ولكن بدون حكومته، وتم توقيع اتفاق سياسى بين البرهان وحمدوك فى 21 نوفمبر 2021، أى بعد نحو شهر من إقالة حكومة حمدوك. ولكن هذا الاتفاق السياسى بدلا من أن يساعد على التخفيف من حالة الاحتقان السياسى فى الشارع السودانى، زادها اشتعالا، وأضاف حالة من الانقسام فى المكون المدنى الذى انضمت شرائح منه مع قيادات الجبهات المسلحة التى عقدت اتفاق جوبا للسلام فى السودان، إلى المكون العسكرى. واعتبر المكون المدنى المعارض لقرارات المكون العسكرى أن د. عبدالله حمدوك بتوقيعه الاتفاق السياسى الجديد مع البرهان، لم يعد يعبر لا عن مطالب الثورة ولا يمثل المكون المدنى فى السلطة التنفيذية، وأنه تخلى عن الوثيقة الدستورية وأصبح متوافقا مع المكون العسكرى، بل اتهموه بأنه أصبح واجهة له، ومن ثم طالبوا خلال المواكب والمظاهرات الاحتجاجية برحيل حمدوك، وأن يسلم المكون العسكرى السلطة للمدنيين. وازدادت أزمة الثقة بين المكون المدنى والمكون العسكرى، وتصاعدت مع استخدام السلطات الأمنية القوة المفرطة والعنف فى مواجهة المتظاهرين السلميين، وسقوط أعداد من القتلى بلغت نحو ٦٠ قتيلا وأعداد كبيرة من الجرحى.
وقد حاول حمدوك أن يعالج أزمة الثقة بينه وبين المكون المدنى بتمسكه بضرورة أن يشكل حكومته الجديدة من كل الأحزاب والأطياف السياسية التى تعبر عن حركة التغيير والحرية، وتجمع المهنيين، وغيرها من المكون المدنى، ولكن مجلس السيادة الجديد برئاسة الفريق الركن البرهان ونائبه حميدتى، تمسك بأن تكون الحكومة الجديدة حكومة تكنوقراط واعتبارهم أن الأحزاب السياسية قد تخطاها الزمن وفى مقدمتهم الحزب الشيوعى الرافض لكل شيء دون أن يقدم بديلا. وبذلت عدة قيادات وشخصيات عامة سودانية، وإقليمية ودولية، مساعى لمساعدة حمدوك على تشكيل الحكومة الجديدة وفقا لما يرى أنه يتجاوب مع القوى السياسية وحركة الشارع السودانى. ولكن لم تنجح أى من هذه الجهود ووجد حمدوك نفسه فى موقف لا يحسد عليه فهو مرفوض من المواكب والمظاهرات والمعارضين لسياسة مجلس السيادة، ولا يجد تجاوبا ولا مساعدة من المكون العسكرى، ومن ثم قدم استقالته ورفض طلب مجلس السيادة أن يستمر فى تصريف الأعمال إلى أن يتم اختيار رئيس وزراء آخر وتشكيل حكومة جديدة. وقال حمدوك إنه يفسح المجال لغيره لأنه فشل فى تحقيق توازن سياسى بين مختلف مكونات الحكم وقوى الثورة. وأن حكومتيه الأولى والثانية واجهتا تحديات عديدة وصعبة، نتج عنها التباعد والانقسام بين الشريكين العسكرى والمدنى، وانعكاس ذلك على مكونات الحكومة والمجتمع، وعلى أداء الدولة على مختلف المستويات، وظهور خطاب الكراهية والتخوين وعدم الاعتراف بالآخر، وانسداد أفق الحوار بين الجميع مما جعل مسيرة المرحلة الانتقالية هشة ومليئة بالعقبات والتحديات.
•••
وقد تباينت الآراء حول خروج حمدوك من المشهد السياسى السودانى، بين من يرون أن خروجه فى ظل الظروف السائدة وحالة الاحتقان والمواجهة بين المكونين العسكرى والمدنى، يؤدى إلى صعوبات بالنسبة لاختيار رئيس وزراء جديد يلقى قبولا عاما من الطرفين المدنى والعسكرى، كما يواجه مشكلة من الذى سيختاره فى ظل وقف العمل بالوثيقة الدستورية، ولن يرضى المكون المدنى عن أى اختيار للمكون العسكرى، لذا ظهرت فكرة تشكيل لجنة مصغرة تجتمع مع المكون المدنى للتوافق على تشكيل حكومة جديدة تلقى قبولا عاما. بينما يرى آخرون أن وجود حمدوك كان فى صالح المكون العسكرى وقدامى السياسيين الذين يحاولون إعادة الأوضاع السياسية إلى ما كانت عليه فى ظل النظام السابق الذى قامت الثورة ضده. ومن ثم فإن خروج حمدوك من المشهد السياسى يخدم الثورة والمكون المدنى؛ لأنه فى رأيهم كان يتصرف بعقلية الموظف الدولى وهو ما لا يتوافق مع روح الثورة والتغيير.
وأدت كل هذه التطورات وما يصاحبها من مواجهات وأزمات سياسية تضاف إلى الأزمات الاقتصادية والمالية وغلاء المعيشة، وعدم انتظام الأعمال والحياة اليومية العادية فى السودان، وحدوث حالات من الشلل العام فى الخرطوم وأم درمان وبورسودان ومدن أخرى فى أيام اندلاع المواكب ومظاهرات الاحتجاج والتى لا تكاد تنقطع، أدت إلى حالة من القلق الإقليمى والدولى وتصاعد المطالب بأن يستجيب مجلس السيادة والمكون العسكرى ويعود إلى العمل بالوثيقة الدستورية والإسراع بتشكيل حكومة مدنية بسلطات كاملة لاستكمال المرحلة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.
وقد دعا المبعوث الأممى إلى السودان إلى أهمية وضرورة معالجة أزمة انعدام الثقة بين الفرقاء السودانيين بشكل عاجل لإيجاد أرضية مشتركة لمسار يتفق عليه بشكل متبادل للخروج من الأزمة الحالية. وضرورة وقف الانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين، والاعتداءات على الصحفيين، واحترام حق التظاهر السلمى الذى كان أحد المبادئ الأساسية لانتصار الثورة السودانية. وأكد التزام الأمم المتحدة بدعم شعب السودان لتحقيق تطلعاته نحو سودان ديمقراطى، ومتابعة الأوضاع عن كثب.
كما أصدرت كل من الولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، بيانا مشتركا طالبوا فيه المكون العسكرى بعدم استخدام القوة المفرطة والغازات المسيلة للدموع ضد المتظاهرين السلميين، والإسراع باختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة مدنية وإعادة العمل بالوثيقة الدستورية واستكمال المرحلة الانتقالية تمهيدا لإجراء انتخابات نزيهة للانتقال لحكم ديمقراطى.
وصدر بيان عن وزير الخارجية الأمريكى حذر فيه من أى محاولات لعرقلة مسار الفترة الانتقالية الرامية إلى التحول الديمقراطى وإقامة حكومة مدنية، وأكد الوقوف إلى جانب الشعب السودانى ونضاله السلمى من أجل الديمقراطية، وطالب بمحاسبة المسئولين عن استخدام القوة المميتة وانتهاكات حقوق الإنسان. وطالب قادة السودان بإحراز تقدم سريع فى تشكيل حكومة ذات مصداقية، وإنشاء مجلس تشريعى، وهيئات قضائية وإجراء الانتخابات، ونقل رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، والعمل بالوثيقة الدستورية.
ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية ما زالت تصف ما حدث فى السودان فى 25 أكتوبر 2021 بأنه استيلاء العسكريين على السلطة وتتجنب الاستجابه لمطالب بعض أعضاء الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين باعتبار أن ما حدث انقلاب عسكرى وتطبيق العقوبات التى تترتب على ذلك، وهددوا بوقف الوعد بتقديم مساعدات تقدر بنحو مليار دولار أمريكى للسودان إذا لم يتجاوب المكون العسكرى السودانى مع مطالب المكون المدنى. كما يرى المبعوث الأمريكى إلى القرن الأفريقى جيفرى فيلتمان تطبيق عقوبات فردية على بعض القيادات السودانية لعدم إطلاعه على حقيقة الموقف عندما التقى بهم قبل 25 أكتوبر 2021 بيوم واحد، ولكن لم يؤخذ برأيه، ما أدى إلى استقالته وتعيين السفير ديفيد ساترفيلد مكانه.
•••
إزاء هذا الموقف الأمريكى فقد أكد البرهان فى مقابلته مع القائمة بالأعمال بالسفارة الأمريكية فى الخرطوم يوم 4 يناير 2022 أن أبواب الحوار مفتوحة مع جميع القوى السياسية وشباب الثورة لتتوافق على استكمال هياكل الفترة الانتقالية وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة تأتى بحكومة مدنية تلبى تطلعات الشعب السودانى. وأكد البرهان على استمرار التعاون مع الولايات المتحدة بما يحافظ على الإنجازات التى تحققت فى مختلف المجالات فى الفترة الماضية والبناء عليها فى المستقبل لخدمة المصالح المشتركة بين البلدين.
وقد وصل إلى الخرطوم يوم 6 يناير 2022 مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشئون الأمنية للقيام بجولة جديدة من الوساطة بين الفرقاء السودانيين، وللاطلاع على تطورات الأوضاع فى السودان، ومحاولة إيجاد مخرج من حالة الانسداد بين الفرقاء. كما أعلنت الأمم المتحدة أنها ستقوم بمهمة وساطة يقودها المبعوث الأممى للسودان، بين جميع الفرقاء السودانيين ومنظمات المجتمع المدنى من أجل التوصل إلى اتفاق سياسى يعيد الهدوء والتراضى وحد معين من الثقة بين الفرقاء السودانيين من أجل استكمال مسيرة المرحلة الانتقالية. وقد عبرت مجموعة دول تضم كلا من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية والإمارات العربية فى بيان لها عن دعمها لجهود الأمم المتحدة فى السودان.
إن تعقيدات المشهد السياسى فى السودان فى أمس الحاجة إلى حد أدنى من الثقة المفقودة بين المكونين المدنى والعسكرى، ورأب حالة الانقسام والمخاوف داخل كلا المكونين وبينهما، وفى حاجة إلى إقناع المكون المدنى أن مطلبه بإخراج المكون العسكرى من المشهد غير واقعى على ضوء ما يحيط السودان من تحديات أمنية داخلية وعلى الحدود، وأن المطلب الملح هو صياغة اتفاق بين المكونين مبنى على الوثيقة الدستورية وبمساعدة الوسطاء مع ضمانات للالتزام به وتنفيذه لاستكمال المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات نزيهة لإقامة حكم مدنى ديمقراطى. أما إذا استمر توجه المكون العسكرى للسيطرة على السلطة بواجهة مدنية، فلن تنتهى حالة الاحتقان واستمرار مزيد من الأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية وعدم الاستقرار العام وتوقف المساعدات الدولية مما يزيد الأوضاع سوءا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved