الكرامة الإنسانية أولاً

ريم سعد
ريم سعد

آخر تحديث: السبت 11 فبراير 2012 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

فى خضم أحداث بورسعيد المأساوية وأحداث الداخلية الدموية اختار إخوان البرلمان أن يناقشوا أزمة البوتاجاز بدلا من أن يأخذوا موقفا حاسما نحو القصاص للدماء التى سالت ووقف دماء كانت تسيل على بعد أمتار من مكان انعقاد الجلسة. ما بدا فى ذلك اليوم كمحاولة لتجنب المواجهة مع الداخلية ومع السلطة الحاكمة بشكل عام تطور فى الأيام التالية إلى مجهود منسق وغير مفهوم لتبرئة الداخلية من أى مسئولية عن قتل المتظاهرين فى محيط الداخلية. فى اعتقادى أن استخدام مشكلة البوتاجاز (وهى الأزمة الطاحنة التى يعانى منها الغالبية العظمى من الشعب والتى هى بالفعل أولوية حياتية ملحة) لصرف الانتباه عن قضية القتل الدائر على بعد أمتار تنبع من عقيدة راسخة لدى الطبقة الوسطى بنخبتها وسياسييها وإعلامييها أن الشعب المصرى لا يهمه سوى أكل العيش والاحتياجات المادية وأن ما عدا ذلك يدخل فى نطاق الهموم الأرقى التى لا يقدرها سوى أبناء طبقتهم.

 

●●●

 

دعونا نذكِّر أولا أن ثورة يناير كانت بالفعل ثورة جوع ولكنه لم يكن جوعا للقمة العيش بقدر ما كان جوعا للكرامة. كانت الدعوة الأولى للثورة «ضد التعذيب والفقر والفساد والبطالة» بهذا الترتيب قبل أن يتطور الشعار الأساسى إلى «عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية» ثم استقر على «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية» ربما لدواعى سهولة الهتاف رغم أن الشعار الأخير ليس الأبلغ لأن العدالة الاجتماعية تتضمن وتفترض «العيش» بطبيعة الحال. ورغم عدم صمود عبارة «الكرامة الإنسانية» فإنها فى الحقيقة العبارة الجامعة للمطالب، فلا كرامة إنسانية بلا عيش وحرية وسواء هتف بها الناس أم لم يهتفوا تظل الكرامة الإنسانية هى مطلب الثورة الجوهرى. هذه ثورة حقوق إنسان بامتياز وبالمعنى الكامل والشامل: حقوق شخصية وسياسية واقتصادية واجتماعية.

 

 ربما كانت السيدة فايزة أبوالنجا أكثر مهارة من الإخوان فى تشخيص صلب الموضوع وإدراك أن هذه الثورة وثيقة الصلة بمسألة حقوق الإنسان وإن جانبها التوفيق فى الاعتقاد بأن هذا المولد سينفض لو ضربناه فى قلبه أو بالأحرى فى تشخيص مكان القلب. مهندسة الحملة على المنظمات الحقوقية بل وعلى فكرة حقوق الإنسان ذاتها نظرت فى المكان الصحيح لكنها عرفت شيئا وغابت عنها أشياء. يستطيع القائمون على هذه الحملة البطش بالمنظمات الحقوقية وإغلاقها جميعا والزج بالنشطاء فى السجون وتلطيخ سمعتهم وشيطنة فكرة المجتمع المدنى من أساسها لكن ما عساهم أن يفعلوا بمطلب الكرامة الإنسانية؟ ثم ما الذى يمكن أن يجنيه الوطن جراء تحطيم آليات منظمة للمساعدة على بلورة الحقوق والسعى لإقرارها سوى دفع الأمور إلى الفوضى الحقة؟

 

●●●

 

إن من ظن أن «أنابيب» هى الكلمة السحرية التى سيلتف حولها جموع الشعب وينسحب البساط من تحت أقدام حفنة الثوار هو كمن ظن أن قطف بعض الرءوس لبعض النشطاء سيجهز على الثورة بالضربة القاضية. الكرامة الإنسانية مطلب شعبى والثورة مستمرة حتى تحقيق هذا المطلب. المسألة بسيطة وإن كان فهمها يلزمه حد أدنى من الاحترام للشعب المصرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved