التشويش على الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد شكرى بلعيد

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 6:15 ص بتوقيت القاهرة

كيف يمكن الاستعداد للذكرى الأولى لاغتيال الشهيد شكرى بلعيد فى ظل حكومة تشكلت وفق قاعدة «التوافق» ورفعت شعار القطع مع المحاصصة الحزبية والولاء الحزبى واستهداف مؤسسات الدولة وأمن البلاد؟

فرضيات عدة تطرح منها: الإصغاء إلى لجنة الدفاع عن الحقيقة والتفاعل مع مطالبها، وفى مقدمتها كشف الحقيقة كاملة، وإدانة المتطاولين على القانون الذين يرفضون المثول أمام مكتب قاضى التحقيق، ومنها الاعتراف بالأخطاء التى ارتكبتها وزارة الداخلية، ومنها تتبّع كل «كتائب النهضة» على فيس بوك، الذين شوّهوا صورة بسمة الخلفاوى بلعيد، وباقى أفراد عائلة بلعيد دون مراعاة مشاعر أسرة ملكومة ومنظومة القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية.

ولكن شاءت الحكومة أن تحافظ على السياسات القديمة المنتهجة، وأن تتموقع فى إطار نحن /هم، الحكومة/المعارضة، فكانت مكتفية بدور الحفاظ على الأمن، دون تبنّى تنظيم الفعاليات والمشاركة فيها، وعلى هذا الأساس كان المشهد مكرّسا مرّة أخرى للاستقطاب الحدّى.

•••

أيقونة النضال فى فترة المسار الانتقالى لم توحّد صفوف التونسيين، والشعار الذى اختارته لجنة تنظيم الذكرى الأولى لاغتيال بلعيد «لنقف لتونس» عجز عن تحقيق الوحدة الوطنية، وتحوّل شكرى بلعيد إلى شهيد المدافعين عن الحرّية والعدالة الاجتماعية والمساواة.. صورة قد تحرج من يتستّرون على مهندسى الاغتيال، والمورّطين والمموّلين وغيرهم، صورة قد تحرج الذين يفتخرون بالانتقال الديمقراطى، وينسبون «تميّزه» لأنفسهم مُسدلين الحجاب على حوادث عنف سياسى فى البلاد، ومتغاضين عن أسئلة لجوجة يتداولها التونسيون: من قتل شكرى بلعيد؟ من قتل البراهمى؟ من له مصلحة فى ذلك؟ من أصدر الأوامر؟ من دفع؟ من تستّر؟ من أخفى الحجج والبراهين؟

لم يفت حركة النهضة أنّ ذكرى تخليد بلعيد ستفتح الجراح، وتدعو القوم إلى التقليب فى الدفاتر، والنبش فى الذاكرة، وستحرّك مشاعر شعب خضع لعمليات التجييش والتعبئة فى المساجد والساحات العامّة والحلقات الدعوية والمنابر الإعلامية وغيرها حتى بات سريع الانفعال والتأثر عاجزا فى الغالب، عن عقلنة المواقف، ولذلك صاغت النهضة سياسة محكمة للتضليل وتحويل وجهة الأحداث فإذا بها تكثّف من حلقات دقّ طبول الفرح، متغنيّة بالإنجازات، مثبتة الدور الطلائعى الذى اضطلعت به لإنجاح المسار الانتقالى، موضّحة «جاهزيتها» للحملة الانتخابية عُدّة وعِدة، مالا وعبادا.

•••

شوشت النهضة على مشهد الذكرى الأولى لاستشهاد بلعيد، أرادت من التونسيين ألا يقلّبوا فى صفحات اعتبروها دخلت التاريخ، طواها الزمن، رغبت من التونسيين أن يصالحوا قبل أن يعرفوا ويحاسبوا، أرادت منهم أن يولّوا وجوههم صوب الانتخابات والاستحقاقات الحزبية المقبلة.

وفى الوقت الذى اثيرت فيه قضيّة صهر الغنوشى فيما أطلق عليه حادثة Sheraton Gate، المتصلة بالفساد المالى، ورفض رفيق بوشلاكة المثول أمام قاضى التحقيق يوم 4 فبراير، تكاثفت وسائل الحجب واستراتيجيات التعتيم فـ«الشيخ» الذى دافع من قبل عن براءة صهره بإجراء عملية قياس بين صهره والسيّدة عائشة فى حادثة الإفك ها هو اليوم يذكّر بحكم الشرع فيمن «ادّعى» على بوشلاكة دون وجه حقّ، ويعنى بذلك جلد الصحفية التى فجّرت القضيّة ولا غرابة فى استغلال المنبر لخدمة مصالح العائلة وتوظيف الدين لخدمة السياسة فى فترة تعالت الأصوات فيها منادية بتحييد المساجد ودستر هذا المطالب.

•••

والواقع أنّ النهضة لم تكن وحدها الراغبة فى التشويش على آل بلعيد ومن التفّوا حولهم بل إنّ الحكومة سعت بدورها إلى عزف لحن ليته كان «لحن الوفاء».. قد كان لحن نشاز لا مسوّغ له فوزير الداخلية «يهدى» التونسيين جثّة قاتل بلعيد وكأنّ دوره بات توزيع الجثث، والرئاسة تقرّر بقدرة قادر الاحتفال بالدستور فى نفس الموعد المحدد لإحياء ذكرى اغتيال بلعيد، علّها بذلك تستبدل المرارة والوجع والإحباط واليأس والخوف.. بمظاهر الاحتفاء والزهوّ والانتشاء.

ويبدو أنّنا بدأنا عهدا يسيطر فيه مُحترفو التضليل والتشويش، وتحويل الوجهة، والتعتيم، والتزييف على المشهد السياسى. ولكن هيهات فركح السياسة بات يتّسع للاعبين جدد منهم الهوّاة ومنهم المبدعون، وكلّ يتنافس من أجل إبراز مهاراته.

وبناء على ذلك ما عاد بالإمكان «إسدال الحجاب على العورات» على حدّ قول ابن البتنونى، إذ إنّ حياكة «النسيج السياسى» باتت متاحة للجميع: السياسيون والناشطون والجماهير فلا «يجهلنّ أحد على آخر» ولا يستحمرنّ أحد على أحد، قد أضحينا نؤمن بأنّ للحقيقة أكثر من وجه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved