«من دفع للزمار؟»

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 11 فبراير 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

هذا هو جزء من عنوان كتاب هام لصاحبته «فرانسيز ستونر» نُشر فى عام 2000. العنوان الكامل هو «من دفع للزمار: الحرب الثقافية الباردة» وحاولت فيه الصحفية البريطانية شرح دور وكالة الاستخبارات الأمريكية فى شن حرب إعلامية ونفسية ضد الاتحاد السوفيتى. أما المناسبة التى تم استدعاء الحديث عن هذا الكتاب فيها فكانت فى الندوة التثقيفية الــ2 للقوات المسلحة بعنوان «مجابهة الإرهاب إرادة أمة» والتى حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتحدث فيها الدكتور «عبدالمنعم سعيد» رئيس مجلس إدارة «المصرى اليوم» فى كلمة بعنوان «أساليب أهل الشر فى تثبيط الهمم». كلمة الدكتور سعيد كانت مدتها 22 دقيقة تقريبا ومنشورة على قناة «مركز أخبار مصر» التابع للتليفزيون المصرى فى موقع «يوتيوب» بتاريخ 9 فبراير 2017.

على عكس كل الخطب التى استخدمت مصطلحات «أهل الشر» و«حروب الجيل الرابع» وما إلى ذلك من مصطلحات تم استخدامها بكثافة منذ يونيو 2013، فإن كلمة الدكتور سعيد وبحكم خلفيته الأكاديمية كانت الأكثر وضوحا واتساقا وتماسكا. ولعلها الكلمة الوحيدة فى هذا الموضوع التى فهمتها تماما وبالتالى أستطيع التفاعل معها والتعقيب على بعض ما ورد فيها اتفاقا واختلافا بعيدا عن السخرية المعتادة فى التعامل مع هذا الموضوع.

باختصار ــ وأتمنى ألا يكون مخلا ــ تناولت كلمة الدكتور سعيد أمام الرئيس وكبار قادة القوات المسلحة ثلاثة محاور:

الأول هو تعريف «أهل الشر» والذى رأى الدكتور سعيد أنه يشير إلى «الجماعات والدول التى تحارب الدولة المصرية منذ 30 يونيو بالضغط عليها وتشويه صورتها داخليا وخارجيا على مستويات اقتصادية وسياسية وأمنية»، وفى هذا السياق فقد أشار الدكتور سعيد بوضوح وبدون أى مواربة إلى جماعة الإخوان المسلمين وإلى دولتى قطر وتركيا تحديدا.

أما المحور الثانى فقد ناقش فيه أدوات أهل الشر مشيرا إلى استخدامها العمليات الإرهابية على الأرض لزعزعة استقرار الدولة المصرية بالتوازى مع حرب إعلامية ونفسية تشنها جماعة الإخوان من خلال منابرها فى قطر وتركيا. وأشار الدكتور بشكل غير مباشر إلى وجود قوى داخلية وخارجية تمول هذه الاستراتيجية التدميرية، وتساءل: «من يدفع للزمار؟». ثم تحدث عن محاولة قوى الشر نشر الإشاعات والتشاؤم متحدثا عن «قابلية الشعب لتصديق الإشاعات وترويجها وإضافة بعض البهارات والمبالغات عليها لخصائص معينة فى المصريين» ولم يحدد ما هى ــ تحديدا ــ هذه الخصائص!.

ثم كان المحور الثالث والأخير وهو حديثه عن استراتيجية الدولة المصرية فى مواجهة محور الشر، وهنا اقترح الدكتور «دعامتين»، تقوم الأولى على استراتيجية دفاعية متمثلة فى «شن حملة للدعاية المضادة»، أما الدعامة الثانية فهى هجومية وتقوم على «الضغط المكثف على أهل الشر بحيث يكونون فى موقف دفاعى دائما»، وهنا اقترح الدكتور سعيد بعض الأدوات التنفيذية لهذه الاستراتيجية والمتمثلة فى تعيين«قيصر» يقوم «بتنسيق الجهود لهذه الاستراتيجية الإعلامية المضادة بين كل المؤسسات المشتركة بها»؛ بحيث يكون هذا القيصر شخصية سياسية إعلامية لها باع يترأس مركزا لـ«الامتياز الإعلامى» بمسمى «مركز مصر المعاصرة» ويكون تابعا لمؤسسة الرئاسة، وهو ما زاد الدكتور فى توضيحه مساء يوم الندوة فى حديثه لشبكة قنوات الحياة، مؤكدا أن اقتراحه مشابه لغرفة تشبه «أركان الحرب» لمواجهة الحرب الإعلامية!

***

هذا بعض أهم ما ورد فى كلمة الدكتور سعيد ونقلته ببعض التصرف لمراعاة مساحة النشر، وهنا لى خمسة تعقيبات أتمنى أن يأخذها القائمون على الأمر بجدية؛ لأنى بالفعل جاد فيها وأدعى أنها جميعا لمصلحة الوطن بعيدا عن أى تسييس.

التعقيب الأول: أن أول خطوة استراتيجية لحماية الوطن ينبغى أن تتخلص من مصطلحات تثير الالتباس والخلط مثل «أهل الشر»، و«حروب الجيل الرابع»، و«الجبهات»، و«المحور»، و«أركان الحرب».. وغيرها من مصطلحات لا تمت للحاضر المدنى بصلة بل هى إعادة تدوير لمفاهيم تم استخدامها منذ صعود النازية فى أوروبا وحتى نهاية الحرب الباردة. وإذا فرضنا أن هناك جماعات ودول تحاول ملاعبة مصر نفسيا بهذه المصطلحات فيكون من غير المفهوم أن تبتلع مصر «النخبة السياسية والثقافية» الطُّعم وتقوم بترديد مثل هذه التعبيرات! من المستفيد؟ هذه مصطلحات بلا مدلولات محددة وتخلط الحابل بالنابل مما يسهل تسييسها بعيدا عن مصلحة الوطن!.

ثانيا: مصر الدولة لا ينبغى أن تبحث أو تتباحث فى استراتيجيات لمواجهة «جماعة»! فبعيدا عن أى جدل عن دور الإخوان وتاريخهم وشرعيتهم وانخراطهم فى العمليات الإرهابية، فإن مصر «الدولة» لا ينبغى أن تدخل فى استراتيجيات قومية لمواجهة «جماعة»، تظل الدول القومية دولا، والجماعات جماعات! ومن غير المفهوم أن يتم حشد كل إمكانيات الدولة لعمل استراتيجية مخصصة لمواجهة هذه الجماعة أو تلك! فتطبيق القانون بعدل واستقلالية ودون تسييس على أى خارج عن القوانين من أفراد وجماعات كفيل بحماية الوطن دون كل هذا الاستنفار غير المبرر!.

ثالثا: من غير المعقول أننا نتهم هذه الدولة أو تلك الجماعة بشن حملات إعلامية لنشر روح التشاؤم، فيكون الحل هو فى شن «حملة مضادة»! هذا أمر غريب للغاية ولا يمكن تقبله! لو انزلقت مصر بكل تاريخها وثقلها الحضارى إلى هذه الممارسات «النفسية» فهى تسىء إلى نفسها وشعبها قبل أن تسىء إلى أى شخص أو جماعة أو دولة! بدلا من شن حملات مضادة والبحث عن تكثيف الضغوط على أهل الشر وما إلى ذلك من مقترحات فيمكن ببساطة أن نبدأ نحن أولا بتطبيق «ميثاق الشرف الإعلامى» الذى لا نعرف منه سوى اسمه بينما ممارسات معظم منابرنا الإعلامية هى أبعد ما تكون عنه وتتسم بكل ما يتم اتهام «أهل الشر» به حينما تقرر التخلص من هذا المعارض أو ذاك، من ذلك التيار أو تلك المنظمة الحقوقية!.

رابعا: ليس هناك أى شك فى أن هناك أجندات سياسية إقليمية مناوئة للأجندة السياسية للنظام المصرى، ولا شك ــ أيضا ــ فى أن بعض هذه الدول حاولت استخدام جماعة الإخوان لا من أجل العدل والحرية ولكن لتحقيق مصالحها الإقليمية على حساب النظام المصرى، ولا شك ــ ثالثا ــ فى أن هناك عمليات إرهابية تقوم بها جماعات لها ارتباطات عنكبوتية تحصد أرواح جنودنا فى سيناء، وسواء كانت جماعة الإخوان هى المحرك المباشر لهذه العمليات أم لا فلا شك أيضا أنها وفى أكثر من موضع (بيان الكنانة على سبيل المثال لا الحصر) قد أيدت هذا العنف والإرهاب تحت دعوى الدفاع عن النفس!. لكن مواجهة كل هذا لا تكون بالحديث عن الاستراتيجيات المضادة، وإلا فما الفرق بين الدول وغيرها من الفاعلين من غير الدول؟ إن الحلول المطروحة ستزيد من العنف والإرهاب وتبقى نيرانهما مستعرة لا الإجهاز عليهما كما افترض الدكتور سعيد! الإصلاح الفورى لمنظومة العدالة بكل عناصرها بالإضافة إلى عمليات الدمج السياسى للملتزمين بالقانون والدستور ومحاسبة المسئولين عن إسالة الدماء من أى طرف كان تابعا للدولة أو مناوئا لها هو الحل التاريخى الوحيد للمواجهة!

خامسا وأخيرا: جانب الدكتور سعيد الصواب كثيرا حينما تحدث عن قابلية الشعب المصرى لترويج الإشاعات، بل اتهمه بإضافة البهارات والمبالغات عليها لــ«خصائص فى الشعب» لم يحددها الدكتور فى حديثه! الحقيقة مخالفة تماما لكل هذا الكلام! فالسلطة هى المسئولة لا الشعب، فحينما تكون كل القضايا العامة التى تشكل محاور للجدل محظورا النشر عنها، حينما تكون كل تفاصيل وأرقام وخطط وجدوى المشروعات القومية ممنوعة من النشر تحت دعوى السرية والحفاظ على الأمن القومى، حينما تكذب الحكومة كما تتنفس فى تصريحاتها ووعودها فإن المدان هنا لا يمكن أن يكون الشعب أبدا! هناك أزمة ثقة كبيرة بخصوص المعلومات السلطة هى المسئولة عنها ولا أحد غيرها!.

إن تجييش مصر وحشد كل طاقتها للدخول فى حرب ضد «أهل الشر» فى معظم المحاور التى تحدث عنها الدكتور عبدالمنعم سعيد هو الحرب الخطأ فى الاتجاه الخطأ وبالأدوات الخطأ وسيقودنا نحو النتيجة الخطأ! الدول الكبيرة لا تلتفت لتصرفات غيرها والأهم أنها تكون كبيرة بقوانينها وعدلها وقدرتها على دمج كل مواطنيها فى العملية السياسية! الدول الكبيرة هى التى تحترم مجتمعها المدنى ومؤسساتها البحثية وتعمل على تعددية المنابر الإعلامية والثقافية لا تأميم الأخيرة تحت دعوى محاربة أهل الشر!

***

من يدفع للزمار هو من يزكى نيران الانقسامات الداخلية بدلا من أن يسعى إلى رأبها! من يدفع للزمار هو من يعجبه سلاح الخصم فيقرر استخدامه فى تصفية حساباته الشخصية والقضاء على خصومه فى الداخل لا فى الخارج! هناك فرق بين أن تحارب مصر «أهل الشر» بالقانون والعدل والدمج، وبين أن تكون مصر معجبة بأدوات أهل الشر فتقرر أن تستخدم مثلها! آسف جدا أنى أسمع مثل هذا الكلام وأشعر بأسف أكبر أن يقال باعتباره استراتيجية قومية!.

مصر ستهزم الإرهاب والإرهابيين بجيشها وشرطتها ومؤسساتها الوطنية وبدعم من شعبها، لاشك عندى أبدا فى ذلك، لكن لن يحدث ذلك قبل تصحيح الأوضاع السياسية الداخلية بما يحقق التعددية والمشاركة واحترام حقوق الإنسان، أسأل الله ألا يتأخر هذا الإصلاح أكثر من ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved