نظرة إلى مستقبل الأمة عبر سنوات الأمل بالوحدة

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 11 فبراير 2020 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

وعى جيلى الحياة والأمة ــ أمتنا العربية ــ تنبض بالثورة، وتقاتل من أجل تحرير الأرض بالإرادة: صد العدوان الثلاثى على مصر ــ عبدالناصر فى خريف 1956، ورفض حلف بغداد الذى أراد البريطانيون (ومن خلفهم الأمريكيون) إقامته لعزل المشرق العربى (سوريا ولبنان والعراق الهاشمى ومعه الأردن الهاشمى أيضا) عن مصر.
بعدها عشنا أفراح عرس الوحدة وقيام الجمهورية العربية المتحدة من اندماج سوريا ومصر تحت قيادة جمال عبدالناصر، فى ظل الخطاب ــ الوصية للرئيس السورى الراحل شكرى القوتلى، والذى ينبه فيه إلى تأصل النعرة الانفصالية، وشراسة الانتماءات الطائفية والمذهبية والعنصرية، محذرا الرئيس عبدالناصر من خطورة هذا الإنجاز التاريخى الذى لن تقبله القوى العظمى المهيمنة، بعد على المنطقة، والقادرة على استثمار العيوب التكوينية فى مقاتلة حلم الوحدة بالكيانية والإقليمية والطائفية والمذهبية، وكل ما يفرق فى التكوين، بين مصر التى يوحدها التاريخ والجغرافيا وسوريا بشعبها وأعراقه المختلفة والأديان والطوائف المتنابذة، والسير عكس التاريخ، بمعنى أنه كان الأولى أن يستعيد المشرق العربى وحدته، فتقوم فيه دولة تجمع العراق (وضمنه الكويت) وسوريا (وضمنها الأردن)، ويراعى وضع الكيان اللبنانى فيقوم بين دولة الوحدة وبين كيانه نوع من الاتحاد الفيدرالى.
كانت الحماسة طاغية، والفرح بإقامة دولة الوحدة كإنجاز تاريخى يأخذ الناس إلى الخدر فى ظل الافتراض أنهم قد نجحوا أخيرا فى تحقيق أبهى أحلامهم السنية.
الآن، ومن على بعد اثنين وستين عاما عن تلك الأيام النابضة بالأمل والمشعة بالفرح والتى كانت تمنح من عاشها الشعور أن بوسعه أن يطال بيديه القمر وأن يلاعب النجوم وأن يطالب الشمس بأن تبقى لتشهد على قدرته على الإنجاز.
***
الآن، تتبدى هذه الكلمات وكأنها أضغاث أحلام أو حديث خرافة وتخيلات.. لكن العديد من شهودها الذين رقصوا فى أفراح الإنجاز وغنوا فأطربوا، يعانون الآن مرارة العجز، ويتهاوون أمام الفرقة والانفصالية والطائفية والمذهبية وهى تنهش الأحلام والأمنيات والصور الشاهدة على الإمكان، بمعزل عن أحكام التسرع والبناء على العاطفة بدلا من الوقائع الصلبة، المكونات الموروثة وترسبات عصور الاستعمار فى المجتمعات العربية، مشرقا ومغربا.
ما زال المصرى يحن إلى «شام الله فى ملكه»، وهو يتقبل ــ مشفقا ــ السوريين الذين أخرجتهم الحروب الأهلية ــ العربية ــ الدولية من ديارهم إلى «أرض الكنانة» ليعيشوا فيها.
أما السورى، ومعه اللبنانى والأردنى ــ فهم «الشوام» بالنسبة لأهلهم فى مصر، مع اعترافهم بالفروق المنطقية الناتجة عن الجغرافيا والتاريخ، والفصل الجغرافى ــ صحراء سيناء ــ ثم الفاصل السياسى ــ الحربى ممثلا بالكيان الإسرائيلى الذى أقيم على حساب فلسطين وشعبها والأمة جميعا.
.. وها هو الرئيس الأمريكى الذى وصل إلى الرئاسة عبر المضاربة بأصوات الناخبين «يضارب» بفلسطين أمام ثلاثة مناقصين من ممثلى أقطار عربية.
.. ولقد تلقى نتنياهو مجهول باقى الهوية، الوافد إلى فلسطين من بعض أقطار أوروبا، نتيجة الاضطهاد النازى لليهود، حيث سيضطهدون ــ بدعم من الاستعمار البريطانى وتخاذل أهل النظام العربى ــ شعب فلسطين صاحب الأرض والتاريخ.. المنتصر على الصليبيين، حامى القبلتين، بانى المسجد الاقصى «الذى باركنا من حوله»..
تلقى نتنياهو الهدية، ملحا على إضافة «الأغوار» إلى الغنيمة، ليتباهى بأن أضرحة أبطال الفتح بعنوان شرحبيل بن حسنة، رفيق خالد بن الوليد، باتت من «أملاكه» وورثها عن.. ترامب، فى غياب أهلها العرب.
***
لقد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادى
أقله، حتى إشعار آخر!
وها هى جنبات الأرض العربية تمور بالأمل، مشرقا ومغربا..
.. وقد تكون «صفقة القرن» التحدى الأعظم أمام الأمة لإثبات وجودها وقدرتها على التحدى والإمساك بقدرها لتصنع غدها الأفضل.
والأمة قد تخسر معركة لكنها لا يمكن أن تخسر ذاتها وحقها فى الحياة.
رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية
الاقتباس
تلقى نتنياهو الهدية، ملحا على إضافة «الأغوار» إلى الغنيمة، ليتباهى بأن أضرحة أبطال الفتح بعنوان شرحبيل بن حسنة، رفيق خالد بن الوليد، باتت من «أملاكه» وقد ورثها عن.. ترامب، فى غياب أهلها العرب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved