تنظيم النسل بين الاقتتال السياسى والأيديولوجى

مواقع عربية
مواقع عربية

آخر تحديث: الخميس 11 فبراير 2021 - 6:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع درج مقالا للكاتب اليمنى حسين الوادعى يتناول فيه التلاعب بقضية النسل والإنجاب، فمرة يتم الدعوة إلى زيادة النسل لاستخدام الشباب فى جبهات القتال، ومرة أخرى تصبح القضية حجة فى يد النظم للتنصل من التزاماتها.. نعرض منه ما يلى.

يبدأ الكاتب حديثه عن تشاوشيسكو، ديكتاتور رومانيا الأسبق، حين أجبر كل عائلة على إنجاب خمسة أطفال قبل أن تبلغ الأم الأربعين. فرض أيضا ضريبة على كل عائلة لا تنجب أطفالا، وخفض سن الزواج إلى الخامسة عشرة، وقال إن الطفل ملك المجتمع وليس ملكا لعائلته. عجز الآباء والأمهات عن إعالة أطفالهم، وامتلأت دور الأيتام بهم، وعندما سقطت المنظومة الشيوعية لم يجد «أطفال تشاوشيسكو» ملجأ غير الشارع والجريمة والدعارة.
كان هذا أيضا هو خيار ديكتاتور ألبانيا الأسبق أنور خوجه الذى شجع سياسة الإنجاب الكثيف، وبسببه تضاعف عدد سكان ألبانيا ثلاث مرات، وزادت حركة الهجرة الفردية والجماعية هربا من الوضع المزرى والفقر والأفواه الجائعة التى عجز الآباء عن إطعامها.
يقول الكاتب إن منع وسائل تنظيم النسل، والتشجيع على الإنجاب أو فرض سياسة الإنجاب القسرى، هى سياسة النظم الشمولية ذات الوجه الفاشى. منذ 2016 والرئيس التركى أردوغان يهاجم سياسة تنظيم النسل ويقول إن كل أسرة تستخدمها ليست أسرة مسلمة. لقد تجاوز أردوغان نطاق تركيا ودعا الأتراك المهاجرين فى ألمانيا والدول الأوروبية إلى التكاثر والإنجاب حتى يسيطروا على أوروبا من الداخل!
فى اليمن، أصبحت قضية تنظيم النسل قضية رأى عام بعد انتشار مذكرة رسمية من وزير الصحة فى حكومة الحوثى يوجه فيها الوحدات الصحية بالتوقف عن تقديم خدمات تنظيم النسل، إضافة إلى توجيهات سابقة بعدم توزيع وسائل منع الحمل لأى امرأة إلا بحضور زوجها والتأكد من عقد الزواج!
يشير الكاتب أن الكثير من اليمنيين رأوا فى هذا التوجه تقليدا لتوجيه إيرانى سابق من المرشد الأعلى، على خامنئى، طالب فيه السلطات بإيقاف توزيع وسائل منع الحمل وتشجيع الإيرانيين على الإنجاب.
ولأن التقليد الأعمى يحول المأساة إلى ملهاة، تحول تعميم وزير الصحة الحوثى إلى حملة سخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا أن اليمن ما زالت إحدى أسرع الدول من ناحية النمو السكانى على مستوى العالم بنسبة تصل إلى 3 فى المئة سنويا. وفى ظل عجز الحكومات اليمنية المتعددة عن دفع الرواتب للسنة الرابعة على التوالى وحالات الفقر المتسارعة التى صار فيها حوالى 80 فى المئة من اليمنيين فى حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، فإن التوجيهات بإيقاف خدمات تنظيم النسل، سياسة انتحارية لا تقل خطورة عن سياسات تشاوشيسكو سيئة الذكر.
يستطرد الكاتب قائلا إن الفكر الدينى «تناكحوا تناسلوا فإنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، له دور فى ذلك، وحاجة القوى المسيطرة فى اليمن للمزيد من المقاتلين لتغذية الجبهات فى ظل حرب طويلة لا يبدو أنها ستتوقف قريبا، هو ما يدفع سلطة صنعاء إلى الدخول فى خيار شديد الخطورة نحو الانفجار السكانى فى بلد أصبح على حافة المجاعة.
ليست قضية تنظيم النسل قضية سياسية بالمعنى المباشر للسياسة، لكنها تحولت إلى سلاح للصراع السياسى والأيديولوجى مع الداخل والخارج. لقد ظل الخطاب الإسلامى يحذر من مؤامرة ضد «خصوبة» المسلمين وتكاثرهم لإفشال قوة الجهاد والفتح الموعود. ولم تختلف مواقف الأنظمة القومية والاشتراكية العربية كثيرا، إذ ظلت متشككة تجاه سياسات تنظيم النسل معتبرة إياها نتيجة للتوجهات الرأسمالية الرامية إلى تقليل النسل فى دول العالم الثالث، وتأثرا بالـ«المالتوسية الجديدة» التى ترى استحالة قدرة الدولة على الاستجابة لاحتياجات السكان ما لم يكن هناك تحديد صارم للنسل.
فى الوقت نفسه، وفى سياق مختلف، ربطت مصر بين التزام الدولة بدعم التعليم والتزام المواطنين بتحديد النسل، إلا أن الدولة تتباطأ أيضا فى تطبيق سياسات تنظيم النسل، إلى جانب صعود الخطاب الدينى المتشكك تجاه تنظيم النسل، واستمرار المعتقدات الشعبية التى ترى فى كثرة الإنجاب قوة.
لم ينج لبنان من الطرح المسيس للقضية على خلفية النقاش حول نسبة الإنجاب الكبيرة فى أوساط اللاجئين السوريين مقارنة بنسبة الإنجاب المنخفضة فى العائلة اللبنانية عموما. كما طرحت القضية داخليا فى وجه التظاهرات التى اندلعت فى بعض المناطق الفقيرة فى لبنان، والتى شاء البعض ربط مشروعيتها بتوقف سكان تلك المناطق الفقيرة عن الإنجاب العشوائى.
ما بين مشجع ورافض، تتحول قضية إنسانية وحقوقية مهمة كتنظيم النسل إلى ساحة قتال سياسى وأيديولوجى بين اتجاهين.
الاتجاه الأول شمولى يرى أن الوطن فى معركة دائمة ضد أعداء داخليين وخارجيين، وأن المعركة تحتاج المزيد من الأرواح. اتجاه يرى أن الطفل ملك للدولة، تتلقفه طفلا فيغسل دماغه بشعاراتها وصرخاتها الفاشية، ثم ترميه مراهقا وشابا إلى جبهات الموت.
الاتجاه الثانى نفعى يحاول استغلال قضية الإنجاب العشوائى لتبرير تنصل الدولة من التزاماتها تجاه المواطن.
فى الختام، يلقى الكاتب بجزء من المسئولية على المواطن. ففى اليمن، أنجب أكثر من 4 ملايين طفل خلال فترة الحرب (2015ــ2020)، ومعظم الآباء الذين أنجبوا هؤلاء الأطفال سيئو الحظ عاطلون من العمل أو يعيشون على الكفاف. كما أن سكان اليمن يتضاعفون كل 23 سنة فى ظل معدل زيادة سنوية كبير. زيادة ضخمة وقنبلة موقوتة أخطر من تركها لاستهتار الآباء وبراغماتية السياسيين وجنون الشموليات الدينية وهوسها بالقتال والموت.

النص الأصلي

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved