الصندوق الأسود الكبير

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 11 أبريل 2012 - 10:35 ص بتوقيت القاهرة

على وقع خطى الجنرال وهو يدخل إلى ساحة الفوضى، انتبه السياسيون للكارثة، فتركوا ما بأيديهم، والتفتوا.

 

عمر سليمان لم يتغير، فالرجل الغامض أنكر أنه سينافس على مقعد الرئيس، ثم وافق بعد ساعات نزولا على رغبة الجماهير. بتعبير الألتراس «دَخلة» مبتذلة ونمطية، فلماذا انزعجت القوى السياسية من ظهور «صديق بن إليعازر» على الشاشة، بينما كل رجال الرئيس ما زالوا هنا؟.

 

نجوم إعلام مبارك غيروا القناة والجاكيتة، وانفجرت قنبلة «البيت بيتك» القذرة عن عنقود سهرات حوارية، تغتصب دماغ المشاهد كل ليلة، وتلقى فى روعه بأساطير أولاها حاجة مصر «الغلبانة المنكسرة» إلى دكر. وها هو عمر سليمان ينتفض لكرامة مصر الذبيحة، ويطير مثل زورو العجيب لينقذها.

 

ورفاق المشوار التاريخى لمبارك فى المجلس العسكرى لديهم حسابات تجاوزت المخلوع وأيامه، ودخلت فى تراوحات وتطوحات العشق والبغض والمصالح، مع الإخوان والسلف والشارع الثورى بأكمله.

 

سكان طرة الجدد ليسوا أعداء الشعب كما باعوها لنا، بل هم بالأساس أعداء العسكرى. من أغضب الجنرالات سابقا أو لاحقا أخذ نصيبه من هوجة «محاكمة الفساد»، لكن الفاسدين والقتلة خارج الأقفاص والتحقيقات أكثر مما يمكن إحصاؤه.

 

راجعوا هنا صرخة فتحى سرور فى البرية قبل أيام: لازم كلنا نتساوى، يا نتحبس كلنا يا نخرج كلنا.

حمدين صباحى دعا أمس الإخوان لسحب مرشحيهما من انتخابات الرئاسة والتوحد خلف مرشح ثورى واحد ضد سليمان وشفيق، على أساس وعودهم بعدم تقديم مرشح للرئاسة.

 

لكنهم قدموا اثنين يا سيد حمدين، فأنى ينسحبون؟

 

هناك جانب من الشارع ينعم بالأمية السياسية، يبكى الآن أيام مبارك الهادئة الجميلة، فهو لم يكن وقتها مطالبا بتشغيل مخه، ولا باختيار نوابه أو وزرائه، ولم يسمع من الأصل عن قوى سياسية غير حزب الثالوث غير المقدس: الأب والابن والعصابة.

 

والشعب سمع مرة عن أولاد فى التحرير يهتفون ضد مبارك ولم يفهم لماذا، وتابع الثورة من كوكب آخر، على مدار 18 يوما، ثم تثاءب وسأل: وبعدين؟

 

الشعب الذى يثور فى السويس والمحلة والإسكندرية من أجل بدل وجبة وعلاوة تافهة ومكافأة نهاية الخدمة، ليس طرفا فى صراع الديناصورات على حكمه، بل هو بطل تراجيدى لمأساة أكل العيش وتحسين ظروف الحياة، على كل شبر من أرضك يا مصر.

 

فى سواعد هؤلاء ستأتى موجة تالية من الثورة، تحتفى بالأخضر، وتعيد الروح إلى اليابس. ساعتها لن تعرف مصر مومياوات مبارك العائدة، ولن تخشى عمر سليمان و«صندوقه الأسود الكبير» الذى هدد به قبل أيام كل من سيعارضه، قبل حتى ما يقعد على الكرسى أصلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved