الإخوان المسلمون بين الداخل والخارج

سمير كرم
سمير كرم

آخر تحديث: الأربعاء 11 أبريل 2012 - 10:40 ص بتوقيت القاهرة

من الواضح أننا فى مصر متفقون بنسبة تكاد تصل إلى مائة فى المائة على أن مصر ليست ليبيا وليست سوريا.

 

بمعنى أن احتمال نشوب حرب أهلية فيها على غرار ما حدث وما لا يزال يحدث فى ليبيا وفى سوريا هو احتمال غير قائم، نكاد نقول أيضا بنسبة قد تصل إلى مائة فى المائة.

 

مع ذلك فإن الخلافات التى تتصاعد يوميا بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى (!) الحرية والعدالة وأقربائها من السلفيين وحزبهم «النور» من ناحية وكل القوى السياسية الأخرى فى الوطن آخذة فى التعقد ويزداد اللهيب المتصاعد منها بصورة لا تدعو للاطمئنان. وقد وصل الأمر إلى حد صدور ذلك التحذير من الموقع الإلكترونى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى اتخذ صورة سؤال عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين لا تزال تحتفظ الآن بجناحها العسكرى، الأمر الذى يدل عليه تهديدها المتكرر بإعلان الجهاد المسلح إزاء ما تعتبر أنها تتعرض له من ضغوط من جميع تيارات القوى السياسية.

 

إن وصول الأمر إلى نقطة التحذير هذه له مبرراته. لكن المعلن من هذه المبررات اقتصر حتى الآن على الاستشهاد بتكرار ما تعلنه الجماعة عن استعدادها لخوض الجهاد المسلح ردا على الضغوط السياسية التى تتعرض لها وللدفاع عن ما حصلت عليه من أغلبية فى مجلسى الشعب والشورى. ولكن الاقتصار على هذا الجانب لا يبدو منطقيا ولا كافيا. إنما لابد من مناقشة هذا الاحتمال. فهو احتمال خطير وقائم. ذلك أن الإخوان المسلمين ليس مجرد تنظيم مصرى إنما له تنظيماته الخارجية فى انحاء الوطن العربى وفى بلاد العالم الإسلامى، بل إن له «التنظيم الدولى للاخوان المسلمين»، وهو يعنى ما يعنيه.

 

لكن بعيدا عن المعلومات المهمة بشأن «التنظيم الدولى» والعلاقات الخارجية مع الإخوان المسلمين فى البلدان الأخرى فإن القضية جديرة بالمناقشة من جوانبها المتعددة، ومن بينها الجناح المسلح، ومن بينها النتائج التى ترتبت على فترة الكمون التى عاشها الإخوان فى ــ وتحت رعاية ــ دول الخليج منذ بداية الستينيات.

 

●●●

 

إن الموقف الذى تتخذه الجماعة وحزبها السياسى من أحداث ليبيا ومن أحداث سوريا بعد ذلك هو بطبيعة الحال موقف تأييد تام يرتفع إلى مستوى يمكن أن يصل فى وقت لاحق إلى نقطة العمل لإلزام الدولة المصرية باتخاذ موقف الدعم إزاء دور الإخوان المسلمين فى ليبيا وفى سوريا. فإذا لم تستجب الدولة المصرية لهذا الإلزام ــ الذى يمكن أن يتخذ صورة قرار من مجلسى الشعب والشورى ــ يكون هناك احتمال بأن تعلن الجماعة مساندتها المسلحة للإخوان المسلمين فى المواجهة التى يخوضونها فى ليبيا وتلك التى يخوضونها فى سوريا. وهذا مكمن خطر كبير لا تود مصر أن تجد نفسها فى مواجهة معه.

 

أما إذا تصورنا أن حرص الجماعة وحزبها على الابتعاد عن الصراعات العربية يمكن أن يرقى إلى نقطة تجنيب مصر هذا الخطر، فإن للمسألة جانبا آخر. فالسياسة الأمريكية فى المنطقة (الشرق الأوسط وفق التوصيف الأمريكى) تتجه نحو احتواء الاتجاه الجديد، الذى لا جدال فى انه الاتجاه لقيام «دول دينية» يلعب فيها الإخوان المسلمون دورا أساسيا يضع السلطة فى أيديهم. هذا ما حدث فى ليبيا وهذا ما تريده أمريكا ويريده الإخوان المسلمون أن يكون نتيجة الصراع الدائر فى سوريا.

 

ترى ماذا يكون موقف الجماعة وحزبها إذا اعتبرت الولايات المتحدة أى تراجع من جانبها عن الاستحواذ على السلطة فى مصر تراجعا عن مشروع مشترك؟ عندئذ تكون جماعة الإخوان مهددة بأن تفقد التأييد السياسى (على الأقل) الذى تحصل عليه من الولايات المتحدة.

 

إن ما يحدث الآن فى المنطقة هو استبدال الدول المدنية بدول دينية. لقد رضيت أمريكا بهذا التحول وأيدته باعتبار أنه لا يشكل خطرا على مصالحها، خاصة وقد وصلت فى دعم هذا الاتجاه إلى حد الدعم العسكرى وإلى حد السماح لحلف الأطلنطى بالتدخل العسكرى العلنى لدعمه كما حدث فى ليبيا والتدخل السرى للهدف ذاته كما يحدث الآن فى سوريا. وعلى الرغم من أن مصر تمثل حالة خاصة، بسبب طبيعتها وحجمها وسيكولوجية شعبها وخبرته التاريخية العريضة، إلا أن الصراع الذى يخوضه الإخوان المسلمون فيها فى الوقت الحاضر، ومحاولتهم من خلاله لفرض الدولة الدينية كسبيل للاستحواذ على السلطة، يشكل تهديدا حقيقيا بإلحاق مصر بالدول التى نجح الإخوان المسلمون فيها فى فرض هيمنتهم بالسلاح ومن خلال أساليب «الجهاد المسلح».

 

●●●

 

إن علاقة الإخوان المسلمين فى مصر بالاخوان المسلمين خارج مصر تشكل خطرا على مصر واحتمالات التطور فيها. ومن المؤكد أن معركة اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور لن تكون الأخيرة حتى مع افتراض أن تنتهى بعد أن ينزع منها الميل الإخوانى إلى الهيمنة. فمعركة رئاسة الجمهورية قادمة، خاصة وقد قررت جماعة الإخوان ــ فى مخالفة صريحة لوعدها السابق بألا تخوض معركة الرئاسة ــ أن يكون لها مرشح للرئاسة. ولن تكون هذه المعركة أقل أهمية أو أقل حدة وانعكاسا على مواقف جميع الأطراف التى هى حتى كتابة هذه السطور أطراف فى معركة لجنة صياغة الدستور. وكذلك المعركة التى تتبع ذلك والمتعلقة بعملية صياغة الدستور. 

 

والأهم من هذا كله أن معركة كشف المستور عن قوة الإخوان المسلحة تبدو قادمة. والسؤال هو إذا كانت ستنشب أثناء الفترة الانتقالية وفى وجود سلطة المجلس العسكرى أو بعدها. وستكون لها انعكاسات فى وجود هذه السلطة وانعكاسات أخرى ربما أخطر بعد ذلك. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved