توازن العلاقات المدنية العسكرية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 11 أبريل 2014 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

يستدعى إعلان ترشح وزير الدفاع الأسبق المشير عبدالفتاح السيسى لمنصب رئيس الجمهورية، إضافة إلى تأييد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذا الترشح، إعادة طرح معضلة توازن العلاقات المدنية العسكرية للنقاش المجتمعى. ويثير طرح هذا الموضوع بجدية الكثير من التوجس عند الطرفين على حد سواء. يراه العسكريون قضية مزعجة لا ينبغى طرحها للنقاش العام، ويعتقدون أن موضوعاتها تتعلق بتفاصيل وأسرار يضر تناولها بالأمن القومى. وينزعجون أيضا من اعتقاد خاطئ أن الهدف من وراء تناول هذه القضية يتعلق بتقليص نفوذهم، وتقليل ما يحصلون عليه من مزايا. وعلى الجانب الآخر يعتقد المدنيون أن طرح هذه القضية يهدف لتبرير سيطرة المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، وينظر لبقائهم فى سدة الحكم.

وقد ساهم تاريخ مصر الحديث فى إضافة أبعاد وخبرات تزيد من صعوبة تناول هذا الموضوع. فالجيش المصرى المعاصر، وعلى العكس من كل جيوش المنطقة، جاءت نشأته فى ظروف طبيعية إبّان حكم محمد على باشا كجيش وطنى تركز جهوده على حماية حدود الدولة، ومهام أخرى خارج الدولة بالأساس. ولكن منذ سيطرة الجيش على الحياة السياسية المصرية بدءا من 1952 وصولا لوجود مرشح ذى خلفية عسكرية اليوم، زادت الشكوك حول إمكانية وقوف المؤسسة العسكرية على الحياد وسط تنافس سياسى يشمل أحد اهم أبنائها الذى تقلد أرفع منصب عسكرى مصرى «المشير» قبل أسابيع فقط من تقديمه استقالته ليتفرغ للسباق الرئاسى.

<<<

تدعى القوى السياسية المدنية والعسكرية بدون استثناء الرغبة فى وجود ديمقراطية حقيقة فى مصر. ويعلم الجميع أن أحد أهم أعمدة العملية الديمقراطية هو على وجود توازن وفصل بين السلطات. ويعنى ذلك وجود عدة سلطات فى الدولة، وألا تستأثر سلطة واحدة على مقدرات الدولة، وألا تهيمن إحداها على السلطات الأخرى، وأن تتوزع بينهم وظائف محددة، ومهام رقابية متبادلة.

إلا أن الدساتير المصرية الأخيرة منحت وضعا مميزا للمؤسسة العسكرية، وقلصت لحسابها اختصاصات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية وتوسعت فى الامتيازات التى يحظى بها الجيش. فعلى سبيل المثال هناك اشتراط لموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اختيار وزير الدفاع خلال فترتين رئاسيتين كاملتين من وقت التصديق على الدستور، فى نفس الوقت لا يشير الدستور إلى كيفية عزل وزير الدفاع أو تغييره. أضف إلى ذلك ما يتعلق بمحاكمات مدنيين أمام محاكم عسكرية فى حالات محددة، وموضوع مناقشة ميزانية وزارة الدفاع أمام البرلمان المنتخب.

ويؤثر هذا الاختلال الهيكلى على جوهر التوازن فى العلاقات المدنية العسكرية الذى يبنى على أساس عدم تدخل المدنيين فى القرارات ذات الصبغة العسكرية مثل تلك التى تتعلق بمشتريات السلاح أو إنتاجه طبقا لحاجة القوات المسلحة ورؤيتها للأخطار التى يتعرض لها الأمن القومى. كما لا ينبغى تدخل المدنيين فيما يتعلق بالترقيات الوظيفية داخل المؤسسة العسكرية إلا فيما يتعلق بمنصب وزير الدفاع، ومنصب رئيس الأركان. ويبتعد المدنيون عن أى سعى لتسييس المؤسسة العسكرية والزج بها فى الصراعات الحزبية والسياسية. فى الوقت ذاته يحظر تدخل المؤسسة العسكرية فى الشئون السياسية، ويجب أن تلتزم المؤسسة العسكرية بالمهنية والاحترافية، وأن تضمن الحياد السياسى والوقوف على نفس المسافة من كل القوى السياسية.

<<<

وشهد التاريخ المصرى حالات ابتعدت فيها القيادات العسكرية عن الشئون السياسية فتم تحقيق نتائج مبهرة، لم يؤثر ذلك سلبا على مكانة القوات المسلحة. وساهم وجود رئيس من خلفية عسكرية فى طمأنة المؤسسة العسكرية للقيادة السياسية. ويشهد عدد من الخبراء الإستراتيجيين أن تحقيق إنجاز عبور قناة السويس، وهو ما يعد معجزة عسكرية كبيرة، ما كان له أن يتم لولا ابتعاد المؤسسة العسكرية المصرية تماما عن الشأن السياسى عقب هزيمة 1967 وتفرغها الكامل لبناء قدراتها القتالية. ثم كان أن نجح الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى خلق مؤسسة رئاسة قوية مدت سلطاتها لتهيمن على قطاعات كبيرة من المجتمع المصرى، مثل الإعلام والثقافة والأجهزة الأمنية المختلفة من داخلية ومخابرات. وكانت وزارة الدفاع هى الاستثناء الوحيد من سيطرة مؤسسة الرئاسة عليها، وهو ما حفظ لها استقلالها وبعدها عن مراكز نفوذ عائلة الرئيس، وفى الوقت نفسه أبعدها عن الشأن السياسى المباشر.

إلا أن الاختبار الحقيقى يأتى عندما يتبوأ قمة السلطة السياسية رئيسا مدنيا خالصا ليس له علاقة بالمؤسسة العسكرية. وفشلت مصر لأسباب متنوعة فى تجربتها القصيرة التى لم تزد عن عام واحد عرفت خلالها رئيسا مدنيا.

<<<

وتلعب البيئة الإقليمية لمصر دورا مهما فى قضية التوازن بين المدنى والعسكرى. ومع وجود حالة عدم استقرار اقليمى واستمرار وجود عدو خارجى يصعب بشدة من قبول المؤسسة العسكرية بتوازن فى علاقاتها بالسلطات المدنية. وبالطبع يساعد ضعف القوى المدنية وانقسامها الكبير وتشتتها الأيديولوجى على صعوبة البحث الجاد لقضية توازن العلاقات العسكرية المدنية.

ويستدعى ما أكده الفريق أول صدقى صبحى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى قبل أيام من أن «أمن مصر القومى» مهمة مقدسة لا تهاون فيها، أن يعاد معه تقديم تعريف واضح لمفهوم الأمن القومى المصرى. ويحب أن ينشر تفاصيل هذا التعريف وما يتضمن وما لا يتضمن من واجبات ومهام، على أن يجدد ويعلن كل ثلاث أو خمس سنوات على سبيل المثال. وبدون تقديم تعريف واضح ومحدد لمفهوم الأمن القومى المصرى، سيظل هناك اختلال فى العلاقات المدنية العسكرية، حيث يمكن أن توظف قضية الأمن القومى لخدمة أى أسباب سياسية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved