نبى جديد صنع فى أمريكا

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 11 أبريل 2015 - 8:54 ص بتوقيت القاهرة

هل حقيقة انتهى زمن الأنبياء؟ لقد كان الصوت النبوى يرن فى الأزمنة القديمة مجلجلاً، محذرا الملوك والرؤساء من الظلم والقتل وسفك الدماء، كان النبى يتحدى سلطان الملك والإمبراطور لا يخشى فى الحق لومة لائم، ولكن لم تكن رسالة النبوة تقتصر على ذلك، بل إن تحذير أصحاب السلطان كان جزءا من رؤية نبوية تنقل الشعوب نقلة نوعية نحو المستقبل.

كانت نبوءة موسى عليه السلام هى أن ينقل شعبه من عبودية فرعون إلى الحرية فى الصحراء ثم إلى الاستقرار فى الأرض، كان يحمل رسالة للشعب تقول إنهم أحرار، ولابد أن يعيشوا هكذا، وأنهم بشر ولابد أن يكون لهم قانونهم الخاص (الوصايا العشر)، ولابد أن يحكموا بواحد من بينهم وأن ينظموا حياتهم اليومية فى ضوء الشريعة الموسوية التى أوصى الله بها إليه، بل وأن يكونوا نموذجا لأمة التوحيد لجميع شعوب العالم.

لكن موسى عليه السلام مات ودخل الشعب إلى أرض الموعد بقيادة يسوع، وتحولوا شيئا فشيئا إلى شعب عنصرى، وبدلا من تقديم رسالة التوحيد للعالم، أصبحوا عنصريين يحتقرون باقى الشعوب ويعتبرونهم كلابا وخنازير.

وجاء السيد المسيح فى القرن الأول الميلادى فى أرض فلسطين فى الوقت الذى فيه كانت الإمبراطورية الرومانية فى أوج قوتها وكان هناك ما يسمى بالعولمة الرومانية والتى لم تتكرر إلا بالعولمة الأمريكية. وكانت العولمة الرومانية تعتمد على ثلاثة أمور القانون الرومانى واللغة اليونانية لغة العلم والفلسفة والتى اصبحت لغة عالمية وأخيرا الجنسية الرومانية.

واعتقد اليهود العنصريون أن المسيح قد جاء لكى يؤكد عنصريتهم ويقاتل باقى الشعوب (الأمم) بالحديد والنار ويجعل منهم أسيادا للعالم، لكن خاب رجاؤهم فيه حيث قام السيد المسيح بنقلهم إلى المستقبل، الذى يتمثل فى مبادئ القانون الرومانى والمساواة بين جميع البشر وتحدث عن محبة الأعداء وصنع السلام والوداعة، وقبول الآخر المختلف حتى لو كان كافرا بالله ورافضا للعقيدة، وتماهى مع الجوعان والعريان والمسجون. كانت هذه الفئات محتقرة منبوذة من اليهود.

***

ومع كل هذه التعاليم للسيد المسيح إلا أن المسيحية كادت أن تدفن فى الماضى السلفى اليهودى باعتبارها أحد مذاهب الديانة اليهودية وذلك بعد رحيل السيد المسيح، إذ إنقسم التلاميذ إلى قسمين، الأول كان يعَّلم أن أى شخص يريد أن يكون مسيحيا عليه أن يتهود أولا وكان يقود هذا الاتجاه يعقوب الرسول ويؤيده الرسول بطرس، أما القسم الثانى فكان على رأسه بولس الرسول الذى يحمل الجنسية الرومانية ويتحدث اليونانية بطلاقة، والذى أراد أن يحمل رسالة المسيح بمقوماتها إلى العالمية، وقد حقق ذلك فى المجمع الذى عقد فى أورشليم لحسم الأمر، واتفق الجميع على أن السيد المسيح كانت له رؤية مستقبلية للإنسانية كلها ولم يكن عنصريا. وهكذا كسروا قيد اليهودية العنصرية وانطلقوا نحو العالمية.

***

وبعد ستة قرون تهاوت العولمة الرومانية وفقدت اللغة اليونانية عالميتها وضعفت أوروبا وهنا ظهر رسول الإسلام فى الجزيرة العربية مبشرا بمستقبل واعد للعرب وبعد أن بقى فى مكة إثنتى عشرة عاما قريبا من المسيحيين واليهود، يعضد الفقراء والمعدمين مناديا بالعدالة الإجتماعية والتوحيد الخالص لوجه الله، انتقل إلى المدينة وهناك تطلع إلى الخروج برسالته التوحيدية الخالصة لصالح الفقراء والمعدمين إلى العالم، ونجح فى توحيد القبائل العربية. وكانت له وقفات واضحة مشرفة مع اليهود والنصارى. نظر إلى الإنسان كإنسان ورفع شأن العقل. واستطاع أتباعه بعد وفاته أن يصلوا إلى إسبانيا والنمسا ومعظم إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

لقد كانت للرسول رؤية مستقبلية شاملة لم يرفض اليهودية والمسيحية، كما لم يرفض السيد المسيح اليهودية.

***

ومرت قرون وكلما ابتعدنا عن زمن الأنبياء تشدد أتباعهم فى سلفيتهم، مع ان جذوة التقدم وامتلاك أدوات العلم والعالم كانت هى جوهر رسالة الأنبياء، ولأن الأنبياء قد انقطعوا ظهر مصلحون مثل غاندى فى الهند يحمل جوهر رسالة الأنبياء وإن كان هندوسى العقيدة، فقد آمن بالسلام بين جميع البشر ومات مقتولاً بيد هندوسى متعصب.

كما ظهر بعد ذلك مارتن لوثر كينج ليدافع عن السود فى أمريكا ونيلسون مانديلا فى جنوب إفريقيا. وهكذا تم حل معظم المشكلات فى العالم، إلا أنه بقيت مشكلتان تؤرقان العالم القضية الفلسطينية وإسرائيل كدولة عنصرية يهودية، ثم إنفجار الإرهاب فى الشرق الأوسط. ولقد راهنت أمريكا على الإخوان المسلمين من خلال الفوضى الخلاقة والربيع العربى للقضاء على الإرهاب، لكن ماحدث كان العكس. وفشل الرهان بفشل الاخوان وتجاوز داعش وباقى الجماعات كل الخطوط الحمراء فأعلنت أمريكا الحرب وصرح اوباما أن القضاء على الإرهاب يحتاج ثلاث سنوات وتعجب العالم، لكنى كتبت فى هذا المكان أن الثلاث سنوات ليست للقضاء على الإرهاب فقط لكن للبحث عن بديل.

***

وكان الحوارعلى أشده بين المخابرات المركزية الأمريكية وأجهزة المخابرات الأوروبية، وأيضا قدمت دراسات عديدة وعميقة فى مراكز الدراسات العالمية على أنه لابد من بديل ذلك لأن المؤسسات الدينية المعتدلة فى الدول الإسلامية، التى خرجت منها داعش وما شابهها اعتبرتهم من المسلمين المخلصين غير الفاهمين!! من هنا جاءت التوصية التى قبلت من أصحاب القرار «إيران هى الحل» إنهم مسلمون معتدلون متقدمون، يقدمون فقها مستقبليا، ولديهم القوة للقضاء على داعش والقاعدة وتحجيم حماس، ولكى يتم ذلك لابد من عقد صفقة «إتفاق دول 5 + 1» مع إيران على استخدام النووى الإيرانى للسلام مقابل رفع العقوبات عنها، وهى سوف تقوم بباقى المهمة.

وهكذا جاءت إشارة بدء العملية بتصريح أوباما عن الثلاث سنوات وتزامن ذلك مع فتوى المرشد الروحى خامئينى بتحريم استخدام القوة النووية والتى اشاد بها أوباما وعضدها فى أحد تصريحاته كنوع من الغزل السياسى المتبادل بين البلدين اللتين كانتا قبلا من ألد الأعداء.

من هنا بدأت المفاوضات تأخذ منحى جادا وتحددت مواعيد للانتهاء منها وعندما انتهى الموعد كان التمديد عكس كل المرات السابقة لقد كان الاصرارواضحا. ومما أعطى الموقف الدرامى بعدا عجيبا وتشويقا تراجيديا وللفاهمين كوميديا إعتراض إسرائيل على المفاوضات والوصول لإطار تمهيدا للاتفاق النهائى وطلبها أن تعترف بها إيران.

هل تصدق ــ عزيزى القارئ أن إسرائيل بهذا الضعف وهذه السذاجة؟.. عجيبة يا أخى!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved