ملحمة رأس الكلب رواية تمثل زمنها

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 11 أبريل 2023 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

المتأمل فى الإنتاج الروائى خلال السنوات العشر التى أعقبت ثورة يناير 2011 لن تفوته ملاحظة سعى الكثير من الروائيين لكتابة روايات ذات نزعة غرائبية فيها الكثير من ملامح «الديستوبيا» التى تنشغل بالمكان الخبيث وهى فى ذلك عكس روايات اليوتوبيا التى تسعى لتقديم تصور عن عالم مثالى.
ولدينا عشرات النماذج المهمة فى هذا السياق قدمها روائيون متميزون من أمثال نائل الطوخى ومحمد ربيع وأحمد ناجى وطارق إمام وأحمد الفخرانى.
اهتم هؤلاء على اختلاف مشروعاتهم السردية بالنظر فى مركزية المدينة وسعوا لخلق سرديات بديلة ليس فيها أى شكل من أشكال التقديس أو النوستالجيا بل بنوا صورا جديدة تماما للمدينة وهى فى لحظة تبدل هائلة بعد مآلات الثورة.
وفى عمله الجديد «ملحمة رأس الكلب، دار الشروق 2023» يخطو الروائى والشاعر محمد أبو زيد خطوة مهمة فى هذا الاتجاه وتستمد الرواية اهمية كبرى لأنها ذات جماليات فنية عالية وتكرس اسم كاتبها وهذه هى روايته الثالثة بعد «أثر النبى 2010» و«عنكبوت فى القلب» التى فازت بجائزة ساويرس كأحسن رواية لفئة كبار الكتاب فى العام 2019
وعلى الرغم من عمله الطويل فى الصحافة إلا أن أعماله لا تحظى باهتمام يناسب قيمتها الرفيعة.
وأول ما يلفت النظر فى الرواية الطابع الغرائبى للحكاية التى تؤرخ لصداقة بين فتاتين تحمل الأولى اسم «دو» والثانية هى «لبنى» وتعانى الفتاتان من أشكال مختلفة من الوحدة لكنهما تذهبان لشراء سنجاب من محل فى أحد ممرات وسط البلد أو من «حارة السماء» كما يسميها السارد وهناك يظهر لهما البائع يرتدى بنطلون جينز أزرق وقميصا له ياقة زرقاء لكن له رأس كلب وسرعان ما يتحول صاحب هذا الرأس إلى بطل فاعل فى حياة «دو».
تمضى الرواية فى تناول هذا العالم الغرائبى إلى جانب سرد تفاصيل من حياة الفتاتين نتعرف منها على التاريخ الدرامى لكل واحدة منهما.
تتيح الرواية للقارئ إدراك ملامح المدينة المعاصرة، فهى بنت الزمن الآنى بكل تفاصيله سواء فى الزى واللغة والإشارة والاهتمامات بل وحركة الشخصيات داخل الأماكن التى تضاعف من حجم اغتراب تلك الشخصيات.
يلم القارئ بكل مفردات هذا العالم (المركب / البسيط أيضا) بفضل مهارة الكاتب فى تقديمه عبر قالب مشوق يستند على لغة ساحرة فى قدرتها على التكثيف الذى يذكر طوال الوقت بسجل مؤلفها الذى حافظ على حسه الشعرى وامتلك فى نفس الوقت مهارة كتابة مشاهد قصيرة ومتشظية أجاد صهرها مع أرشيفات صحفية مختلفة تعزز الصورة التى يرسمها لكل بطلة نقرأ عنها، فهناك من تريد أن تتزوج البطاطس وهناك من تعامل نباح كلبها كمدخل لرؤية العالم وهناك من ترغب فى تقليد الساحرات ومن تعمل فى تصميم الابعاب وتحلم بركوب المقشة وترعى قطة اسمها أليس وتتركها لتلعب أهم الأدوار فى حياتها.
لم يفقد محمد أبو زيد طفولته أبدا وهذا أجمل ما فيه، فهو يكتب من مخيلة خصبة، لا تختلف كثيرا عن الحرية التى نعرفها فى رسوم الأطفال، كتابة بلا تخطيط تخلق منطقها الخاص تتقبل فيه أعجب الحكايات فهناك الأب الذى يموت وهو يقرأ كتاب مائة نكتة ونكتة وهناك الجار الذى له شارب مثل شارب ستالين لكنه يحمل اسم أبو العيون، لأن لديه ولد اسمه أبو العيون والثانى اسمه أبو العينين وبعد وفاة زوجته جعل واحدا منهما يسكن فى شرق الأرض والآخر يستقر فى غربها لكى يحمياه من انعكاسات الأعين الحاسدة.
ابتكر أبو زيد لروايته الممتعة إطارا متناغما يحفل بأشكال مختلفة من السخرية والتهكم ومن المحاكاة الساخرة التى تستهدف انتهاك جميع الصور النمطية، والشك فى المسلمات والمضى فى لعبة هز اليقين إلى النهاية.
الجميع فى رواية «ملحمة رأس الكلب» يتحايل على واقعه ليخلق واقعا بديلا يبدو مثل قوقعة يهرب إليها وهو مدرك أنها هشة وأن أقل شىء يمكن أن يكسرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved