الهدف والحلم

أحمد حسين
أحمد حسين

آخر تحديث: السبت 11 مايو 2019 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

توجد العديد من التعريفات المتشابهة لعلم الإدارة أبسطها هو الاستخدام الأنسب للموارد لتحقيق الأهداف عبر استنباط البيانات وتحليلها وتحديد المعوقات وطرق التغلب عليها، وإن لم يكن الحلم هدفا فلست مضطرا للمرور بتلك التعقيدات، فقط استحضره فى يقظتك أو غفلتك وانهض لتستكمل روتين يومك، وإن أعجبك الحلم وخشيت أن تنساه فاسطره فى قرطاس أو احتفظ به فى مدونة ذكرياتك.

الصحة والعلاج الآمن الشامل حق من حقوق المواطن المشروعة والبسيطة التى جعلتها الحكومات المتعاقبة أضغاث أحلام له يستحضرها فى منامه أو بالكاد تتردد فى صدره عند زيارته لأى منشأة صحية حكومية، لكن عندما تتحدث الحكومة عن هذا الحق وتُصيفه فى قانون يصدر بالفعل اسمته (التأمين الصحى الشامل)، ومع اختلاف البعض على تفاصيله إلا أن ترويج الحكومة لقرب تنفيذه جعل المواطن ينتقل بحلمه إلى خانة الهدف القابل للتنفيذ.

***
منذ أيام صدر بيان مشترك من مجلس الوزراء ووزارة الصحة أن بداية التطبيق ستكون فى الموعد المحدد وأن طلب الوزيرة بزيادة الميزانية كان لرغبتها فى ضغط المدة الزمنية لتطبيق القانون على جميع محافظات الجمهورية. بالقطع الوصول بالمنظومة الصحية لمعايير الجودة يحتاج أضعاف تلك الميزانية ولكن ما يُخصص حاليا على قلته لا يُحقق ما يوازيه من إنجاز، وقد يفاجأ الكثير أن الميزانية الحالية لا تُصرف كاملة، أبواب الأجور والجهود هى التى تُصرف عن آخرها فى الأغلب لوجود تداعيات وآليات مُلزمة للصرف فى مدة زمنية محددة يصعب أو يُجرم تعطيلها، أما ما عداها فتعوق البيروقراطية والإهمال والسلبية أى محاولات للإنجاز، فغياب المساءلة عند عدم الإنفاق على الاحتياجات وقصرها فقط على الإنفاق بدون وجه حق جعلت قاعدة الرفض أو التعطيل هى الأحوط عند المسئول المختص، كثير من مستشفيات وزارة الصحة تحتاج مرافقها وأجهزتها للصيانة والإصلاح، عدم الصيانة هى المشكلة الأكبر التى تتفاقم كل عام فى مقابل أن البند المالى المُخصص لها لا يصرف كاملا للبيروقراطية والتعنت فى التعاقد مع فنيين أو شركات للصيانة.. أتذكر المثال الأندر الذى شذ عن القاعدة وهو مستشفى دار الشفاء الذى نجح مديرها الأسبق فى تكوين فريق صيانة خاص بها ما جعله نموذجا تستشهد به وزارة الصحة فى أداء الخدمة الجيدة، وعلى نفس القياس يحدث فى باب الميزانية السادس الخاص بالإنشاءات والتطوير والتجهيزات يُضاف إليه أن غالب التعاقدات لجميع المستشفيات يكون مركزيا بديوان وزارة الصحة وقد يؤدى ذلك إلى غياب العدالة فى ترتيب الأولويات، إضافة إلى إسناد تنفيذ معظم المشروعات إلى جهات حكومية تتراكم عليها فتقل نسب تنفيذها فى مقابل حصولها على دفعات مالية مقدمة.. ما يعنى صرف مبالغ نقدية دون تنفيذ فعلى بمقابلها.

***
مشكلة أخرى أحيانا تكون الأبرز فى عدم استغلال الميزانية وهى الصعوبة القصوى فى نقل الأموال المخصصة من باب لآخر أو من بند لآخر فى الميزانية، فذلك إجراء يتطلب موافقة وزارات الصحة والتخطيط والمالية.. منذ خمس سنوات نجحت فقط بتواصل شخصى مع مستشار أحد الوزراء فى الحصول على موافقة وزيرى التخطيط والمالية بعد وزارة الصحة على نقل مبلغ 13 مليون جنيه من بند (آلات ومعدات) إلى بند (المبانى والإنشاءات) فى ميزانية الصحة النفسية أنقذت وقتها مشروعات أربعة مستشفيات من التعثر.. أتذكر اندهاش مسئولى وزارة الصحة وقتها من حصولى على تلك الموافقة لدرجة مازحنى أحدهم (أنت زورت الموافقة دى!!).

طابور من مسببى التعويق يكون الأبرز بينها وزارة المالية بمندوبيها فى المنشآت الصحية، موظف ومدير نستطيع أن نصفهم بإحدى أو جميع صفات التعنت وعدم الاكتراث أو الأيدى المرتعشة.. والنتيجة واحدة وهى الإهدار بتأخير الإنفاق على الاحتياجات فيتأخر معه الإنجاز وتتضاعف المطالب المالية بعدها سواء لغلاء الأسعار أو لتفاقم المشكلات.

وزير الصحة السابق ومن شاركوه الاستعجال فى إقرار قانون التأمين الصحى أخطأوا فى عدم التمهيد لتطبيقه، فعدم وجود بنية تحتية وإمكانيات وغياب البيانات والإحصائيات الدقيقة وعدم وجود عمالة مُدربة كافية وتجاهل المشكلات بدلا من حلها لصنع مجد شخصى زائف، كل ذلك أدى إلى تخبط وعشوائية لتصل بالوزيرة الحالية بعد عام ونصف من إقرار القانون إلى محاولة التبرؤ منه والتبرير لعدم تطبيقه حتى بعد المحاولات الجاهدة لعلاج بعض المشكلات ومسكنات لأخرى التى لم تشفع، ما يوضح حجم التسرع وكارثية الأخطاء.

قد يكون اعتراف وزيرة الصحة بالخطأ وتحديد المشكلات ووضع طرق عملية لحلها هو بداية الإنجاز، وقد يكون الخوف من الهجوم دافعا للاستمرار فى تجاهل المعوقات ينتج عنه مزيد المشاكل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved