الزحف نحو إفريقيا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 11 مايو 2020 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

نشر معهد أبحاث السياسة الخارجية تقريرا للكاتب Dylan Yachyshen، تناول فيه تدافع العديد من الدول الإقليمية والقوى الكبرى اليوم على بسط نفوذها على إفريقيا، وموقف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك بعد أن اعتزمت تقليل مشاركتها فى القارة للتفرغ لمواجهة خصومها الصين وروسيا... جاء فيه ما يلى:

من نوفمبر 1884 إلى فبراير 1885، جمع المستشار الألمانى أوتو فون بسمارك 13 قوة أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة لتنسيق «النشاط التجارى» فى إفريقيا وصدر «القانون العام لمؤتمر برلين». حاول القانون العام تنظيم النشاط الإمبراطورى فى إفريقيا من خلال تهيئة الظروف لاكتساب الأراضى، وتدويل نهرى الكونغو والنيجر، وإلغاء تجارة الرقيق. بعد مؤتمر برلين، صاغت التايمز مصطلح «التدافع من أجل إفريقيا»، وبدأت القوى الإمبريالية فى إنشاء المستعمرات واستخراج الموارد تحت ستار المشاريع الخاصة. للأسف، هذا يتشابه مع محاولات الدول لبسط سيطرتها على القارة اليوم.

يواجه العالم صراعًا متجددًا من أجل النفوذ فى إفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أن الصين وروسيا وبعض دول الخليج وتركيا قد استخدمت كيانات خاصة وشركات تديرها الدولة بجانب الدبلوماسية لتأمين القوة الاقتصادية والسياسية فى جميع أنحاء القارة. بينما تدرس إدارة ترامب تقليص مشاركتها فى إفريقيا للتركيز على «منافسة القوى العظمى» الصين وروسيا، وهى أولوية فى استراتيجيتها للأمن القومى. إلا أنه يجب على الولايات المتحدة أن تظل منخرطة فى إفريقيا لتعزيز مصالحها فى الأمن والاستقرار والازدهار، ورعاية العلاقات مع الدول الإفريقية الناشئة، ومساعدة الدول الإفريقية فى مقاومة التلاعب الخارجى والتقدم الاستعمارى الجديد.
ويمكن استعراض تدافع الدول نحو إفريقيا على النحو التالى..
***
فى أكتوبر 2000، استضافت الصين المنتدى الأول حول التعاون الصينى والإفريقى (FOCAC) فى بكين، وحضره 44 ممثلا عن الدول الإفريقية، دعا المنتدى إلى الشراكة الصينية الإفريقية فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وبعد ثمانية عشر عامًا، اختتمت الصين اجتماعها السادس لمنتدى التعاون الصينى ــ الإفريقى بتعهدها بتقديم 60 مليار دولار على شكل قروض للدول الإفريقية ورفع الأمن الإفريقى إلى إحدى أولوياتها القصوى. بين هذين الحدثين، فى سبتمبر 2013، أطلق الأمين العام شى جين بينج مبادرة الحزام والطريق، وهى مجموعة من الشراكات الإنمائية التى تحاول ربط الصين بالحدود البعيدة. وأصبحت إفريقيا هدفا رئيسيا لهذا المشروع.

انصب الاهتمام الصينى بإفريقيا على الدول الغنية بالموارد مثل زامبيا وأنغولا والجزائر ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها. فمثلا، فى نيجيريا، حصلت شركات النفط الصينية على كتل نفطية فى خليج غينيا ووقعت على الأقل اتفاقيتين لتطوير السكك الحديدية بمليارات الدولارات على الأقل فى السنوات العشر الماضية. كما قام البنك الصينى السابق بإقراض الموارد فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد أقرض جمهورية الكونغو الديمقراطية 6 مليارات دولار مقابل الحصول على 10,6 مليون طن من حقوق استكشاف النحاس والتعدين. ونستنتج من ذلك أن البنوك الحكومية الصينية تقدم قروضًا ضخمة للدول الإفريقية، وتوظف دبلوماسية فخ الديون التى تجعل الدول خاضعة للمصالح الصينية إذا لم تتمكن من الدفع.
***
فى نوفمبر 2019، استضاف الرئيس فلاديمير بوتين القمة الروسية الإفريقية الأولى فى سوتشى، لتأمين الصفقات التجارية ومشاريع الطاقة والاتفاقيات العسكرية مع العديد من الدول الإفريقية. على غرار دعم بوتين لبشار الأسد فى سوريا، تعتبر روسيا إفريقيا تشهد حالة من الفراغ السياسى يمكنها استخدامها لتوسيع مجال نفوذها من خلال استغلال الصراع والتلاعب بالحكومات وبيع الأسلحة لكسب صفقات لشركات الطاقة التى تديرها الدولة. كقوة انتقامية، تسعى روسيا إلى تعزيز مكانتها فى النظام العالمى، وامتلاك موطئ قدم فى إفريقيا أصبح هدفًا حاسمًا.

تستخدم روسيا مجموعة فاجنر، وهى شركة عسكرية دولية خاصة، لزيادة سيطرتها على القارة. ففى ليبيا الغنية بالطاقة، يقاتل الجنرال خليفة حفتر بالأسلحة الروسية مع حوالى 1000 من أعضاء فاجنر. كما درب فاجنر عمر البشير، الذى سمح لشركة بريجوزين للتعدين MــInvest بالوصول إلى مناجم الذهب. وبعد أن اجتمع الرئيس الموزمبيقى فيليب نيوسى مع بوتين ووقع صفقات طاقة فى أغسطس 2019، هبط 200 جندى مرتزقة من فاجنر فى مابوتو لدعم عمليات مكافحة الإرهاب الفاشلة فى منطقة كابو ديلجادو شمال موزمبيق الغنية بالطاقة. يوظف بوتين جهات فاعلة من غير الدول لتأمين الموارد الطبيعية وخلق فراغات فى السلطة يمكن لروسيا من خلالها زيادة نفوذها.
***
فى عام 2017، وقعت «أزمة الخليج»، والنظر إلى القرن الإفريقى، بدأت دول الخليج الثلاث الكبرى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، تليها تركيا، الاستثمار بكثافة فى الموانئ والقواعد العسكرية والإنتاج الزراعى وتضخيم قدراتها العسكرية والوجود الدبلوماسى فى المنطقة.

تملك كل دولة مصالح فى جيبوتى وإثيوبيا وإريتريا والصومال والسودان. قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال SOE DPWorld، بتحقيق سيطرتها على الموانئ العسكرية والتجارية فى جيبوتى وإريتريا وأرض الصومال وبونتلاند، مما ساعد فى الحرب ضد الحوثيين. وفى الوقت نفسه، استأجرت الشركات التركية أو طورت موانئ عسكرية وتجارية فى الصومال والسودان. وأخيرًا، قامت السعودية والإمارات فى جميع أنحاء إفريقيا باستثمارات ضخمة، مثل تعهد كل منهما بتقديم 10 مليارات دولار أمريكى لقطاع الطاقة فى جنوب إفريقيا، مما يشير إلى تصميمهما على شراء الحلفاء ونشر نفوذهما خارج القرن الإفريقى.

تقيم الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية ثنائية قوية مع كل دولة من دول الخليج وتشترك فى الاهتمام بمبادرات مكافحة الإرهاب فى القرن الإفريقى. لذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تعمل على ضمان ألا يتحول الصراع على النفوذ بين دول الخليج إلى حريق إقليمى ولديها الوسائل للقيام بذلك.
وباختصار، إن قارة إفريقيا تواجه صراعا جديدا. لا تتنافس الصين وروسيا ودول الخليج فقط على النفوذ، ولكن أيضًا القوى الاستعمارية السابقة، كفرنسا وإنجلترا، لا تزال حاضرة فى حين تسعى دول أخرى، مثل الهند وإيران، إلى تأمين موطئ قدم.

تواجه الدول الإفريقية الأقل تطورا أزمة غير مسبوقة بسبب الفيروس ويمكن للولايات المتحدة أن تفكر فى إطلاق برامج صحية عالمية تظهر عزمها على مواجهة الوباء، على غرار مبادرة جورج دبليو بوش التاريخية من أجل مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز. ستؤدى مبادرة الولايات المتحدة إلى زيادة مكانة الولايات المتحدة فى إفريقيا وتثبت التزامها بالقيادة العالمية والأمن الصحى فى عصرنا الهش. فإذا كانت الولايات المتحدة ترغب فى الحفاظ على علاقات مثمرة مع الدول الإفريقية، فيجب عليها أن تأخذ دروسًا من التاريخ وأن تظل منخرطة فى المنطقة لمنع التأثيرات السلبية مع دعم مصالحها وضمان التنمية المستدامة التى تفيد الشعوب الإفريقية.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved