شيرين أبو عاقلة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 11 مايو 2022 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلى الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة صباح أمس بدم بارد، ليعيد تذكير الجميع، بأنه جيش للقتل والدمار والاغتيال، ولا يعرف شيئا عن شرف القتال وأساليب وقواعد الاشتباك، وأنه يكره الصحافة والإعلام لأنها إحدى أهم وسائل فضحه وتجريسه.

شيرين مراسلة قناة الجزيرة القطرية بفلسطين كانت فى مهمة تغطية اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلى لمخيم جنين فى الضفة الغربية المحتلة. وطبقا للصحفية الفلسطينية شذى حنايشة فإن مجموعة من الصحفيين كانوا يغطون الأحداث فى منطقة مكشوفة تماما، ولم تكن بها مقاومة أو إطلاق نار من الشباب الفلسطينى الذين يتصدون بأجسادهم العارية لبلطجة الاحتلال. شيرين وزملاؤها وطبقا لما شاهدناه من صور تليفزيونية كانت ترتدى خوذة على رأسها وسترة مضادة للرصاص مكتوبا عليها صحافة باللغة الإنجليزية «Press»، والصحفيون جميعهم كانوا يقفون مكشوفين أمام جنود الاحتلال وخلفهم جدار، ولا يوجد فلسطينيون مقاومون فى المنتصف، ولذلك فإن القناص الإسرائيلى صوب على الصحفيين، أصاب على الصمودى منتج قناة الجزيرة فى ظهره، وحينما حاولت أبوعاقلة الاطمئنان عليه، صوب القناص الإسرائيلى رصاصة قاتلة أسفل أذنها فى منطقة صغيرة جدا بين الخوذة وسترة الحماية، وهو ما يؤكد أن الرصاصة خرجت من قناص يستهدف قتلها وزميلها وكل من يحاول أن يقدم تغطية صحفية واقعية.

أبوعاقلة من مواليد ١٩٧١ فى القدس الشرقية المحتلة، لكن أصولها ترجع إلى مدينة بيت لحم. درست الثانوية فى مدرسة راهبات الوردية فى بيت حنينا. ثم درست الهندسة المعمارية فى جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، ثم درست الصحافة المكتوبة وحصلت على درجة البكالوريوس فيها من جامعة اليرموك الأردنية.

ظنى أن الاحتلال كانت يبيت النية لاغتيال أبوعاقلة وأى نموذج مشابه لها يحاول أن يكشف طبيعة وحقيقة الاحتلال.
هى نموذج للمراسل الميدانى الحقيقى والفعال، الذى يقدم الوقائع والحقائق للمشاهدين، فى مناطق الأحداث الساخنة، وهذا هو ما لا تريده إسرائيل بالضبط.
أتابع غالبية المراسلين الذين يعملون من الأرض المحتلة. وبعد ٢٠١٣ فتر حماسى لمتابعة قنوات شبكة الجزيرة بسبب تغطيتها المنحازة وغير المهنية للشأن المصرى ودفاعها عن المتطرفين، ورغم ذلك لم يتأثر احترامى ومتابعتى لمراسليها فى الأرض المحتلة، ومعهم مراسلو العربية وسكاى نيوز والغد وشبكات أخرى.
لم أكن أعرف شيرين شخصيا، حتى صيف العام الماضى، حينما زارت القاهرة بعد تحسن العلاقات المصرية ــ القطرية، هى جاءت لعمل سلسلة من التحقيقات عن نهر النيل وأثر سد النهضة على مصر والتقت مع بعض المسئولين المصريين.

وذات ليلة صيفية كنت ومجموعة من الأصدقاء نتناول العشاء فى فيللا الفنان الكبير سامح الصريطى، على أول طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، وأتذكر هذه الليلة جيدا لأننا كنا نشاهد مباراة الأهلى والإسماعيلى التى انتهت بالتعادل، وكانت سببا فى ضياع بطولة الدورى من الأهلى، كان معنا وقتها مجموعة من الزملاء والأصدقاء الإعلاميين والفنانين منهم كمال أبورية وأحمد المسلمانى وعادل السنهورى وعادل المسلمانى ومحمد عبدالله ومحمود الضبع، وسمير عمر مدير مكتب سكاى نيوز عربية بالقاهرة. مع سمير جاءت شيرين أبوعاقلة، تحدثنا كثيرا وتناقشنا فى أمور مختلفة عن نهر النيل وسد النهضة والإعلام العربى.
وأشهد الله أننى لمست فيها نفسا عربيا أصيلا.

ليلتها حكت لى عن فلسطين والاحتلال، وانبهارها بمصر وبالمصريين. وكتبت على صفحتها وقتها «مافيش بجمالك» بعد أن زارت منطقة الأهرامات وأبوالهول ومصر الفاطمية، والعديد من المناطق السياحية، ووضعت صورة لها أمام أبوالهول.

ليلتها اتفقت معها على اللقاء مرة ثانية عبر الصديق سمير عمر، لكن للأسف لم يحدث اللقاء لتضارب المواعيد.
بالأمس شاهدت شيرين وهى تتحدث بصدق أنها اختارت مهنة الصحافة لتكون «قريبة من الإنسان»، هى كانت نموذجا حيا ومعبرا عن المراسل الميدانى الذى يتحمل الكثير من الصعاب حتى يؤدى مهمته على أكمل وجه.
قبل أيام وضعت على صفحتها على الفيسبوك فيديو قصيرا عنوانه «فى الطريق إلى جنين»، ولم تكن تعلم أنه الفيديو الحى الأخير فى طريقها إلى الشهادة، وأنها مثلما أنجزت آلاف القصص الإنسانية والخبرية صارت هى قصة خبرية فى غالبية الإعلام العالمى.

رحم الله شيرين أبوعاقلة وألهم أسرتها وأهلها ومحبيها الصبر.
ولعل هذه الجريمة الشنيعة تذكر من يصر على الدفاع عن إسرائيل في ذكري نكبة 1948 - التي صار يراها بعضنا "استقلالا"-، أنها كيان للقتل والدمار والكراهية والاحتلال وتقسيم واوصال الامة العربية. لكن طال الزمن أو قصر فإن بقاءها فى المنطقة مؤقت، طالما أصرت على استمرار سرقتها لفلسطين والبلطجة فى كل المنطقة العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved