اختلطوا تصحوا

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 11 يونيو 2016 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

شغلنا رمضان وطقوسه عن متابعة موضوع سيدة الكرم بالمنيا، انتهت الهوجة التى أحاطت به وانتهت معها المعارك الخطابية والنضالية والإعلامية من حوله. ويظل السؤال المطروح فى مثل هذه الظروف، والذى يفرض نفسه فى كل مرة تطل فيها الخلافات الطائفية برأسها: هل نحن نعيش مع بعضنا البعض أم إلى جانب بعضنا البعض؟ رجاء دقق النظر، لأن هناك فرقا بين الحالتين، فمن الممكن لجماعات متفاوتة ثقافيا ودينيا وعرقيا أن تعيش بجوار بعضها لسنوات دون أن تختلط أو تتأثر بالآخر أو تتفاعل مع الاختلاف، من الممكن أن تقبل به فقط على سبيل أنه موجود دون تعاون أو تشارك أو تداخل أو حوار حقيقى، أى أن يكون تعايشا على نمط «صباح الخير يا جارى، أنت فى حالك وأنا فى حالى».

وغالبا لا يتطور حسن الجوار إلى درجة العيش معا، حتى لو راهن البعض على ذلك. هذا النموذج من التعايش يسمح لكل فريق بالاحتفاظ بخصائصه ومكوناته وعاداته إلى ما غير ذلك، طالما توافر الاحترام المتبادل وعدم الازدراء بين الطوائف وتحققت العدالة، أما فى ظل موروث ثقيل من الإحساس بالظلم أو الاضطهاد الدفين، فمن السهل أن تشتعل نيران العنف الطائفى فى أى لحظة، مع أى حدث قد يبدو تافها.

***

كنا دوما ما نفرق بين الحالة المصرية وغيرها من المجتمعات التى تتعدد فيها الطوائف بقولنا إنه لا يوجد فصل صريح فى مصر بين أماكن انتشار المسيحيين والمسلمين، وأنه ليست ثمة موانع جغرافية تفصلهم، فالأقباط لا يسكنون الجبل مثلا فى حين يسكن المسلمون السهول، لكن هم يختلطون داخل المدن والقرى، ونركز على فكرة النسيج السكانى الواحد أو المتداخل الذى تكون بفعل الزمن وأسبقية الحضور، أى أن التوزيع السكانى داخل المدن لا يتم على أساس طائفى أو عرقى، لكن وفقا لأسبقية الوصول إلى الحى أو إلى المدينة وللطبقة أو الفئة الاجتماعية التى ينتمى لها السكان. وأظن أننا بصدد تغيير هذا الواقع على الأرض، فدفع عائلات بأكملها للتهجير من حيث استقرت لسنوات، سواء بالترويع أو حرق المنازل وخلافه، سيخلق خريطة سكانية جديدة، أساسها التمييز. أحياء أو قرى متجاورة لكن متقطعة الأوصال، منغلقة على نفسها وعلى ديانتها. وعندما يقل التعاون التلقائى بين البشر ويضعف الرباط الاجتماعى، يكون لزاما على الحكومات أن تتخذ اللازم، أن تفرض النظام العام وتفعل قوة القانون، أن تذكر المواطنين بوجودها وسطوتها حتى تجبرهم على احترام القيم والمبادئ المشتركة، أن تخلق مشروعات تجمع كل الأطياف لتحسين الأوضاع وتحقيق الرفاهة.

***

نعرف أنه فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم الاستقرار وانتشار البطالة والتفاوت المريع فى مستوى الدخول تكرس الصور النمطية أكثر فأكثر، وتبحث المجتمعات عن «شماعة» تعلق عليها مشكلاتها وتبررها، ويؤجج الانفعال الموقف. نصبح كزوجين تجاورا فى الفراش طويلا، دون أن يعرف فعليا كل منهما الآخر عن جد، ويكتشفا فجأة أنه ليست هناك بينهما أى لغة حوار أو موضوعات مشتركة يمكنهما تجاذب أطراف الحديث حولها. هما لا يعيشان سويا، بل جنبا إلى جنب، وهو ما لا يجعلهما أكثر قربا من زوجين آخرين قررا أن يسكن كل منهما فى بيت منفصل، لينعم بدرجة أكبر من الحرية والاستقلالية، لكنهما استطاعا أن يأخذا قرارا فى حياتهما، أن يناقشا أمورهما بتفهم حتى لو لم يجمعهما سقف بيت واحد، فالجوار لا يعنى بالضرورة العيش المشترك والتفاعل، بل قد يترجم لدى البعض بمزيد من الانغلاق على الذات. وقتها تصير قصص الحب بين أصحاب الديانات المختلفة كارثية، بل ويحرم المجتمع زيجات مختلطة كانت فى السابق عادية جدا، لا يحرمها الدين ولا القانون. تشتعل المنازل وينتفض المجتمع ثم يصرخ البعض غضبا وألما، ثم يهدأ الموضوع وتستغرقنا مشاهدة البرامج والمسلسلات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved