أيكون التأجيل حلًا؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 11 يونيو 2017 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

هل نبالغ إذا قلنا إن مصر مقبلة على منعطف خطير يهدد تماسك المجتمع ووحدة صفه الوطنى؟. هذا السؤال يلح على منذ قرأت أخبار إحالة ملف جزيرتى تيران وصنافير للمناقشة فى مجلس النواب، رغم قرار المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين وانعدام الاتفاق الذى تم بشأنها من الناحية القانونية.
لست فى صدد الدخول فى الجانب القانونى للموضوع الذى يفترض أن يكون القضاء قد حسمه وأغلق بابه، لكنى أقول بأنه حتى لو كانت وثائق وأسانيد كل طرف لها قوتها، فإن توقيت عرضه على مجلس النواب الذى هو واجهة للحكومة، له خطورته البالغة. أما حصيلة المناقشة التى يعرف الجميع ــ والحكومة أولهم ــ نتيجتها سلفا، فأخشى ما أخشاه أن تضاعف من مؤشرات الخطر التى تلوح فى الأفق.
إن البلد الذى يعانى من الاحتقان، فى أوساط الطبقة السياسية، وتنتشر بين جنباته أصداء الغضب جراء الغلاء الذى قصم الظهور حتى أفقر طبقته المتوسطة وأذل فقراءه يتطلب سلوكا سياسيا واعيا يهدئ من روعه ويمتص غضبه لا أن يضاعفه.
أسمع تلميحات عن علاقة بين عرض اتفاقية الجزيرتين وبين موعد مباراة كرة القدم بين الفريقين المصرى والتونسى فى اليوم ذاته، وهى التى ينشغل بها ويتابعها أعداد غفيرة بين المصريين. وتشكك آخرون فى أن تسفير ١٤ عضوا بالبرلمان فى وفد لزيارة الولايات المتحدة صبيحة المناقشة بدوره له صلة بالموضوع. وبغض النظر عن صواب أو خطأ تلك التلميحات فإنها فى حدها الأدنى دالة على عدم الثقة فى نوايا الحكومة، التى تبين أنها مصرة على تمرير الاتفاقية ووضع الرأى العام أمام الأمر الواقع دون اكتراث بمشاعره.
إن أى مواطن غيور على استقرار البلد وأمنه إذا عجز عن وقف الاندفاع نحو تمرير الاتفاقية، فالحد الأدنى لاحترام شعوره أن يؤجل عرضها على البرلمان إلى ظرف أهدأ وأكثر احتمالا للصدمة، وربما وفر ذلك فرصة لتحقيق التوافق وامتصاص الغضب من خلال حل مبتكر. ورغم شعورى بالاستياء جراء إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجائر، إلا أن كثيرين لاحظوا أنه حين أحدث عرضه على البرلمان دويه فى المجتمع الرافض له، فقد تم تأجيل إصداره مدة ستة أشهر ثم فوجئنا به يطل علينا ذات صباح. وإذا تم ذلك فى شأن يهم النشطاء والطبقة السياسية فأولى أن يحدث مع قضية تخص التراب الوطنى وتمس مشاعر المصريين باختلاف فئاتهم وأطيافهم.
إن عرض الموضوع على البرلمان تمهيدا لتمريره من شأنه أن يرتب تداعيات وآثارا جانبية لا قبل لمصر بها، فضلا عن أنه يحمل المجتمع بتبعات لا قبل لصبره عليها، وليس بوسعى أن أرصد تأثير هذه الخطوة وتفاعلاتها فى الجزء الغاطس من المجتمع، إلا أننا نستطيع أن نتحدث عن مؤشرات تلوح فى الأفق المرئى والمرصود منها ما يلى:
< إن عرض الموضوع على البرلمان يمثل تحديا سافرا لسلطة القضاء وإهدارا لقيمة القانون.
< هو أيضا تعبير عن الاستهانة بالرأى العام وعدم الاعتداد به، رغم رسائل الرفض التى لم تعد تخطئها عين.
< لا يستبعد والأمر كذلك أن يستغل الموقف لإذكاء وتيرة العنف، باعتبار أن التحرك السلمى والمعالجة القانونية ما عاد لها جدوى.
< الاحتمال كبير أن يعمق ذلك الفجوة ويضعف الثقة بين السلطة والمجتمع. وحين تكون القوات المسلحة هى القائمة على أمر السلطة، فيخشى أن تمتد الآثار السلبية إلى تلك الدائرة.
< من شأن تمرير الاتفاقية الإجهاز على النزر البسيط من الثقة المتبقية فى البرلمان، بحيث يصبح بمثابة إشهار لموته. ناهيك عن أنه يمثل ضربة قوية للعملية الديمقراطية فى مصر.
أخيرا فإن الميزة الوحيدة لما يجرى أنه يمثل ضربة قوية للقوى الوطنية المصرية. وهذه ربما تدفعها للإفاقة وتنبهها إلى أن تشرذمها ونهج الإقصاء الذى تنحاز إليه بذرائع شتى أضعفها وهمشها على نحو أخرجها من معادلة القوة فى المجتمع. وخسر الوطن جراء ذلك الكثير، فى قامته وترابه وأحلامه.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved