زوجة لينين

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 11 يونيو 2019 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

قبل عشرة أعوام تقريبا كنت مع صديقى العزيزين ياسر الزيات وأكرم القصاص نحضر احد مؤتمرات مكتبة الاسكندرية وكان معنا الكاتب الكبير سعد هجرس الذى كنا نحب صحبته وروحه المرحة التى لا تكف عن السخرية الخالية من الضغينة،

وبين جلسات المؤتمر دعانا لأكلة سمك وبعدها جلسة على مقهى وفجأة قررت الكاتبة فاطمة المعدول وكانت وقتها وكيل اول وزارة الثقافة ان تأتى معنا وكنا نعرف ان بينها وبين اليسار «تار بايت».

واشترط عليها هجرس شرطا غريبا وهو ان تجلس نصف ساعة فقط دون ان تتحدث عن زوجها الكاتب الكبير لينين الرملى ولأنه يعرف شهوتها فى الكلام قال لها (ممكن يا فاطمة تتكلمى فى أى موضوع تانى، لكن لو جاءت سيرة لينين على لسانك فإن الحساب عليك»!

وبحماسها المعتاد الذى يعرفه المحبون لها وانا منهم بادرت فاطمة بالموافقة الفورية دون ان تعرف الورطة التى دبرها سعد حين تحدث عن تجربته مع اليسار المصرى ما دعا المعدول للحديث عن حماها الصحفى الشيوعى فتحى الرملى الذى اعتقل فى حملة ١٩٤٧ الشهيرة المعروفة بقضية الشيوعية الكبرى وعرضت تجربة حماتها الكاتبة سعاد زهير التى كانت من مؤسسات جمعية الكاتبات المصريات وبعد اقل من عشر دقايق تدفقت بالحكايات عن لينين الرملى شخصيا، وكانت مثل فيضان غمر الجلسة بالضحك، فنظر لنا سعد هجرس وقال لها: (عشت طول عمرى اعرف الماركسية اللينية) نسبة إلى زعيم الثورة الروسية فلاديمير لينين (لكن انت يا فاطمة اول زوجة لينينية فى التاريخ).

خسرت فاطمة الرهان طبعا لكن سعد دفع الحساب وكسبنا جلسة تاريخية لا تنسى تحدثت فيها عن زوجها بولع لم تنتقص منه منغصات الحياة الزوجية ولا الخيبات الصغيرة التى لا توقف نمو الحب ولا تغيب معناه.

وبعد أن توطدت صداقتى معها كنت أشعر بعد كل حديث بيننا انه على الرغم من شهرتها ككاتبة أطفال ناجحة ومخرجة مسرح ونجاحها فى ادارة العديد من قطاعات وزارة الثقافة الا انها اعتبرت تجربتها مع لينين الرملى هى الانتصار الرئيسى فى حياتها وكانت فى المناسبات التى تأتى فيها سيرة خلافه الشهير مع الفنان محمد صبحى توكل نفسها للدفاع عن التجربة اكثر من دفاعها عن الزوج، فهى منحازة بحكم دراستها للمسرح لمكانة الكاتب الذى لا تنظر اليه كزوج وانما كرجل مسرح بالمعنى الذى نعرفه فى التقاليد الغربية دفع اثمان حبه واختياراته بالرضا الذى يليق بفارس وليس بتاجر.

ورغم ما كانت تخفيه نبرات صوتها الموجعة فى احيان كثيرة من هزائم الا ان بهجتها به كانت اكبر من أى انكسار وكانت قادرة على ان تبلغ معنى الغفران.

ولا اكاد اذكر بيننا أى حوار لم تلجأ فيه لاستعارة حكاية او «ايفيه» يردنا مباشرة للعالم الذى صاغه لينين الرملى بجدارة وهو عالم تكتشف بعد قدر من التأمل انه كامن فى نسيج حياتنا اليومية وفاعل فى الذاكرة على نحو مدهش وأكاد اجزم اننا جميعا نفعل مثلما تفعل فاطمة، فهى تستدعى عبر سيرته ذاكرة شخصية وذاتية لتجربة كانت لصيقة بها، فى حين نستدعى نحن ذاكرة عامة صنعتها الدراما التى شيدها ولها فى قلبى مكانة منذ حكايات ميزو وإنت حر وانتهى الدرس يا غبى وحتى مسرحية الحادثة وبرلمان النساء.

لذلك لم أندهش من حالة التفاعل فى أوساط المثقفين مع دعوتها لتكريم الرملى فى المهرجان القومى للمسرح وذلك بعد ان فاته قطار جوائز الدولة وهى دعوة تحتاج لمن ينصت لها ويتعامل معها بجدية ولا يجوز ان نبررها بالقول ان الرجل مريض يرقد فى بيته منذ سنوات بعد ان أنفق كل ما يملك على تجارب مسرحية لم يكسب منها غير المغامرة، وهو تبرير لا علاقة له بما أنجز، فالأكيد اننا اليوم بحاجة اكبر لأن نكرم فيه قيمة الكاتب الذى ادرك وظيفته وأدى دوره التنويرى، وبفضل السخرية جعلنا نواجه انفسنا وندرك قبح ارواحنا فى مرايانا ويكفى ان نراجع مستوى الاعمال التى نسبت للكوميديا فى دراما رمضان الماضى لنعرف اننا بحاجة لقراءة لينين واستعادته لأن ما رأيناه على الشاشة لم يكن الا شيئا من الغش التجارى المقدم تحت شعار «السماجة مستمرة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved