يتربى فى عزك

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 11 يوليه 2010 - 11:48 ص بتوقيت القاهرة

 عندما أصدر أحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، فتوى فى يناير الماضى بأن دعم المنتجات البترولية للصناعة «حرام.. حرام.. حرام»، وأكمل فتواه على غرار الشيوخ الجدد «لما نشيل الدعم عن المنتجات البترولية وقتها سنوفر الحقن ولبن الأطفال الرخيص»، وقوبلت هذه الفتوى من جانب البعض بكثير من السخرية، إلا أننى كنت وقتها أستغرب منتقدى الرجل. فكيف واتتهم الشجاعة أن ينتقدوا رجلا يعمل على تطبيق قرارات تضر بمصالحه الشخصية، باعتباره من أكبر الحاصلين على هذا الدعم، لأنه المنتج الأكبر فى سوق الحديد، وهى السلعة التى تستهلك الطاقة بكثافة أكثر من غيرها، وكذلك السيراميك.

ومع ذلك لم تعنه المصلحة الشخصية وانتصر للأطفال الغلابة، متمنيا أن يرضعهم لبنا رخيصا. واعتبرت وقتها أن هذه الانتقادات من قبيل اقتناص الفرص لمهاجمة الرجل الذى تحول إلى رمز لهذا العصر. فمن يكره الحكومة لا يجد غير «عز» ليهاجمه، ومن يحمل خصومة مع الحزب الوطنى يصب جام غضبه على عز وأفعاله، وحتى من يميل إلى الحكومة ويتمنى رضا الحزب عليه أن يسترضى «عز» أولا. ووصلت إلى قناعة بأن الرجل مستهدف فى كل الأحوال حبا أو بغضا وقلت «ياما فى الحبس مظاليم مثل عز وأقرانه».

ولكن ما أن تمر أربعة أشهر على فتوى (لبن أطفال عز) إلا وتصدر الحكومة قرارا برفع أسعار الطاقة على المنتجات البترولية. ويكون رفع أسعار الغاز الطبيعى بالأساس على الصناعات غير كثيفة الطاقة التى هى ليست لا حديدا ولا أسمنتا ولا أسمدة. وتظل أسعارها 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، كما هى منذ عام 2007 دون زيادة. بالرغم من أن هذه الصناعات تستهلك 60% مما تستهلكه الصناعة كلها من طاقة. ومع ذلك اكتفى القرار برفع أسعار الكهرباء على الصناعات كثيفة الاستخدام 50% فى أوقات الذروة دون أن تحدد هذه الأوقات تاركة تحديدها لقوة المفاوضين.

ومن محاسن الصدف ليس فقط أن حديد عز تعتمد بالأساس على الغاز الطبيعى وليس الكهرباء، ولكن أيضا من قبيل الصدف أن عز يمتلك مصانع للسيراميك، وهى الصناعة التى كانت تعد كثيفة الطاقة، وبالكشف الظاهرى عليها تبين أنها ليست كذلك وأظهرت النتائج أنها غير كثيفة ولا حاجة. وبالتالى تمت محاسبتها بـ2.3 دولار على كل مليون وحدة حرارية وليس 3 دولارات.

وبالطبع مسئول وزارة الكهرباء الذى خرج علينا بتصريح بأن الزيادة فى أسعار الكهرباء على شركات الحديد والأسمنت ضئيلة للغاية ويمكن بمنتهى البساطة استيعابها داخل الأرباح التى تحققها شركات الحديد والتى تصل إلى 100%. بالطبع لم يكن هذا المسئول يحمل لا حبا ولا بغضا لـ«عز» عندما كان يؤكد أن أى زيادة فى أسعار منتجات الحديد أو الأسمنت يجب ألا تزيد على 0.07%، وهى التكلفة التى تأتى من الزيادة الجديدة فى أسعار الكهرباء وهى زيادة لا تذكر. ومع ذلك خرج مصدر مهم فى شركة عز يبشر المواطنين بأن الشركة ستضطر لتحميل المواطنين الزيادة حتى لا تحقق الشركة خسائر.

وبمنتهى البساطة نكتشف أن كل الحكاية أن الشركات الخاصة سوف تحمل أى زيادة فى الأسعار على المواطنين، وشركات القطاع العام التى لن تستطيع زيادة أسعارها سوف تحقق خسائر فادحة مثل الحديد والصلب والألومونيوم، وبالتالى ستقل الضرائب التى تدفعها للخزانة، والتى تصرف منها على دعم لبن الأطفال الشغل الشاغل لـ«عز».

ونصل فى النهاية إلى أن رفع أسعار الطاقة على المصانع لن يجعل الأطفال الغلابة يشربون لبنا رخيصا ولا يحزنون. وكل ما فى الأمر هو أنه خطوة لجعل الناس تتقبل رفع أسعار البنزين والسولار فى الفترة المقبلة تحت دعوى أن الحكومة بدأت برجال الأعمال أولا.
أما عن هموم «عز» لعدم شرب الأطفال اللبن، لا قبل زيادة الأسعار ولا بعدها، فنقول له لا تشغل بالك كثيرا، فكل هذا الجيل من الأطفال اتربى بدون لبن. وإذا سألنا أى طفل الآن هل يختار أن يتربى على اللبن أو يتربى فى عزك؟ لرد على الفور يتربى فى عزك.

okamal@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved