تجنُّب الضياع فى الهوامش والمؤقت

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الخميس 11 يوليه 2013 - 11:05 ص بتوقيت القاهرة

بعيدا عن التفاصيل المؤقتة، الحقيقى منها والمتخيّل، التى رافقت انتقال سلطة الحكم فى مصر من يد إلى يد أخرى يوم الرابع من هذا الشهر، فإن القضية الأساسية التى ستحتاج إلى كثير من التحليل والمراجعة هى قضية نمط الاستيلاء على السلطة فى أرض العرب.

 

إنها قضية سياسية، لها جذور تاريخية حاكمة ومنظرون من المفكرين والفقهاء وأشكال متعددة من الممارسة. وهى ككثير من القضايا السياسية فى حياة العرب لم تحسم بعد. وكيف تحسم إذا كان الإرث التاريخى العربى الإسلامى لا يسعفها، والفقه الإسلامى مختلف حول التعامل معها، والحداثة العربية ما زالت تواجه مخاضا عسيرا.

 

من هنا فإن الحديث عما جرى فى مصر يجب ألا ينزلق إلى التبسيط المخل أو التّيهان فى المؤقَّت، خصوصا وإن انعكاسه على مسقبل الواقع العربى، فكرا وممارسة ونتائج، سيكون كبيرا. فما هى الملامح الكبرى لأحداث مصر الأخيرة؟

 

●●●

 

أولا، ما قلناه عند تفجُر ثورات وحراكات الربيع العربى من كسر الإنسان العربى لحاجز الخوف التاريخى من سلطان وبطش السلطة الحاكمة عادت أحداث مصر الأخيرة فأكّدته، بل وضاعفت تأكيده. لقد أثبت الإنسان العربى بأنه لن يقبل بعد اليوم حياة الاستكانة والتهميش والاستغفال والاستخفاف به من أية جهة كانت، داخلية وخارجية. ومن هذا المنطلق قرَّر أن يكون فى ثورة دائمة، ليس لها نهاية فى الأفق المنظور، وذلك حتى تتحقق جميع أحلامه وآماله ومطالبه المشروعة.

 

من هنا فإن الذين يخافون أن تقطف أو تستولى هذه الجهة أو تلك على ثمار ثورته وأن تستفيد من جهد عرقه ودموعه لمصالحها الانتهازية يخطئون الظن والحساب فالتغيُّر فى الإنسان العربى عميق.

 

●●●

 

ثانيا، لا شك أن ظاهرة الثورة فى الثورة التى مارستها جموع شعب مصر الغفيرة قد أضافت إلى الأنماط الخمسة الشهيرة للاستيلاء على السلطة، وهى الوراثة والانتخاب والتعيين والانقلاب العسكرىوالشخصية الكاريزمية القائدة، أضافت نمطا سادسا يتمثّل فى تعبير تمردى شعبى رافض من قبل غالبية كبيرة من المواطنين، متراصّة ولكن غير متماثلة سياسيا. فى الأنماط الخمسة السابقة يتم الاستيلاء عادة من قبل جماعة سياسية أو عسكرية نافذة سواء من داخل مؤسسة الحكم أو من خارجها. وهى تسعى لانتزاع السلطة من يد جماعة نافذة سياسية أو عسكرية أخرى تماثلها فى داخل الحكم. لكن أحداث مصر كسرت تلك القاعدة.

 

من المؤكد أن هذا النمط الجديد مبهر وواعد، ولكنه لا يخلو من المشكلات وإمكانية السقوط فى أيادى اللاّ ديمقراطيين وقوى الثورات المضادّة. ولذا فمن الضرورى التفكير، من قبل المفكرين والعاملين فى حقل السياسة، فى أفضل السُّبل للاستيلاء على السلطة وذلك من خلال التناغم والتعاضد بين هذا النمط الجديد والنّمط الانتخابى الديمقراطى القديم وذلك من أجل أن يقدّم العرب للعالم نوعا جديدا من الممارسة الديمقراطية التى تقلُّ فيها الثغرات الكثيرة الموجودة فى الديمقراطية الكلاسيكية الغربية. ولا نحتاج للتذكير بأن النظام الديمقراطى الكلاسيكى أثبت بأنه فى حاجة للتعديل والتحسين المستمرَّين.

 

●●●

 

ثالثا، سنمارس التفكير الطفولى الكارثى لو اعتقدنا بأن الانتكاسة السياسية التى أصابت الإسلام السياسى فى مصر سيعنى انتهاء تواجد الإسلام السياسى فى أرض العرب،  فالإسلام السياسى ليس ظاهرة سياسية سطحية مؤقّتة، وإنما هو ظاهرة عميقة الجذور مرتبطة أشدّ الارتباط بثقافة المجتمع العربى، وهى ثقافة فى قلبها وعقلها وروحها قيم وعقيدة وتاريخ الإسلام.

 

الإسلام السياسى سيبقى معنا كجزء مهم وفاعل وجاذب فى المشهد السياسى العربى. لكن من المؤكد أن حاملى لوائه سيحتاجون لإجراء مراجعة عميقة للكثير من جوانب ممارسات تياراته المختلفة، سواء فى نوع الخطاب السياسى أو فى الأهداف السياسية والاجتماعية أو فى العلاقة مع الآخرين أو فى التعامل مع حريّات الأفراد ومع دور المرأة المجتمعى.

 

وفوق كل ذلك سيحتاجون لحسم موقفهم من موضوعين بالغى الأهمية والتعقيد: موضوع الانقسام الطائفى المذهبى الذى بات يهدد وجود الإسلام نفسه فى الواقع وفى القلوب، وموضوع الإسلام العنفى العبثى المزور لمفاهيم الجهاد فى ساحة الصراعات السياسيّة الدنيويّة البحتة.

 

إضافة للمراجعات التى يجب أن تقوم بها جماعات الإسلام السياسى، وعلى الأخص جماعة الإخوان المسلمين، فإن المطلوب من القوى السياسية الأخرى، وعلى الأخص القومية العربية منها، أن تستمر فى الحوار والتواصل مع القوى الإسلامية السياسية، الذى بدأته منذ ثلاثة عقود، والذى يجب أن يؤدى إلى تعايش خلاَّق وإغناء للمارسة الديمقراطية فى وطن العرب.

 

●●●

 

النظر إلى ما جرى فى مصر يحتاج إلى أن يعلو فوق مشاعر التشفى المريضة ويذهب إلى الثوابت فى سيرورة ثورات الربيع العربى الممتدة فى الأفق العربى البعيد.

 

مطلوب تجنُب الانشغال بالهوامش والمؤقت، كأرباح وخسائر أمريكا والكيان الصهيونى وهذه الدولة الإسلامية والعربية أو تلك أو انشقاق هذه المجموعة أو تلك.. إلخ. الانشغال بذلك سيضيع علينا فرصة تاريخية للاستفادة من ألق وعبقرية أحداث كبرى تجرى فى كل الأرض العربية.

 

 

 

مفكر عربى من البحرين

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved