العلاقة بين الثقافة والعلم

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الأحد 11 يوليه 2021 - 12:11 م بتوقيت القاهرة

زار كاتب هذه السطور معرض الكتاب في دورته الاستثنائية ثلاث مرات منهم اليوم الأول عالي الكثافة على أبواب الدخول، أهمية معرض الكتاب تنبع من أسباب متباينة: أسباب اقتصادية للناشرين وأسباب اجتماعية للمؤلفين والمترجمين وأسباب مادية لموظفي وزارة الثقافة (إن كانوا يحصلون على مكافآت خاصة عند إقامة المعرض) وأسباب ثقافية لبعض الزوار وأسباب ترفيهية للبعض الآخر من الزوار، ولا ينقص كل هؤلاء حب للثقافة والمعرفة تختلف درجاته من شخص لآخر.

في هذا المقال أود أن أسجل بعض الملاحظات التي رأيتها أثناء تجولي في المعرض وما تعنيه تلك الملاحظات فيما يتعلق بالثقافة ثم ننتقل إلى علاقة الثقافة بالعلم وعلاقة العلم بالثقافة وكيف يتكاملان وفيم يتشابهان.

 

أول شيء لاحظته أن أعداد الزائرين خارج صالات العرض أمام المطاعم أكبر كثيرًا من العدد في الداخل بالرغم من الحرارة الشديدة خارج صالات العرض، هذا يدل على أن البعض مازال يعتبر معرض الكتاب مجرد ترفيه (خاصة بعد "حبسة" الكورونا) وهذا ينعكس على تحليلنا لأعداد الزائرين، فالعدد الكبير لا يعني بالضرورة زيادة الاهتمام بالثقافة، العدد هذه المرة أقل من السنوات السابقة بكثير وهذا مفهوم طبعا.

الملحوظة الثانية أن أغلب التكدس كان في صالتي 1 و2 وهما مخصصتان للناشرين المصريين بالإضافة إلى هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة إلخ والعدد أقل بكثير جدًا في صالتي 3 و4 المخصصتين للناشرين غير المصريين والمؤسسات الكبرى مثل دار الهلال والأهرام وأخبار اليوم إلخ، هذا يقودنا إلى عدة تساؤلات: لماذا لا يتم توزيع الناشرين المصريين على الصالات الأربع حتى لا يحدث تكدس؟ لماذا لا يهتم أغلب الزوار بالناشرين الأجانب؟ من الممكن أن يكون ذلك بسبب ارتفاع أسعار تلك الكتب أو بسبب عدم انفتاح الشباب الصغير (وهم غالبية زوار المعرض حسبما رأيت) على الثقافات العربية الأخرى والغربية، هذا يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بفنون الترجمة. الملحوظة الثالثة هي وجود عدد كبير من الشباب صغير السن وهذا شيء مفرح جداً، لكن من تجولي في المعرض وملاحظة ما يسأل عنه الشباب في تلك المرحلة العمرية وجدت أن أغلب ما يشترونه أو يسألون عنهلا يخرج عن شيئين: روايات موجهة للناشئة وكتب تنمية ذاتية. هذا جيد، ولكن لو استمر الشباب الصغير على قراءة نفس تلك الكتب عندما يتقدم في السن فهذا معناه أن ذائقته الأدبية وثقافته لم تتقدم وأن التنمية الذاتية لم تؤتي أُكُلها معه لذلك فهو يعتقد أنه بحاجة إلى مزيد من التنمية الذاتية. هذه الملاحظات تقودنا إلى أهمية الترجمة وأهمية التعاون بين الثقافة والعلم، كيف؟

 

المركز القومي للترجمة يقوم بدور رائع وأحرص على زيارته عدة مرات على مدار السنة، ولكن دوره يكون أروع إذا تمت إزالة بعض العوائق البيروقراطية. ترجمة الكتب الثقافية بكل فنونها هي من المجالات التي لن يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يسلبها من البشر لأن الترجمة الحقيقية لا تعتمد فقط على المعرفة العميقة باللغتين، ولكن تعتمد أيضاً على معرفة عميقة بالنص المترجم ومؤلفه وثقافته والبيئة التي ظهر فيها النص حتى يتمكن المترجم من نقل المعاني والمعرفة للغة الأخرى نقلاً محكماً.

ننتقل الآن من الترجمة إلى التأليف.

وجدت في المعرض مجموعة ليست قليلة من كتب السير والتراجم سواء كتاب يتحدث عن عدد من النجوم اللامعة مع تخصيص باب لكل نجم أو كتاب يتكون من أحاديث صحفية معهم. هذا شيء جيد وقد يكون ملهماً للشباب وقوة دافعة لهم لكن إذا تفحصت هؤلاء النجوم لن تجد بينهم عالماً واحداً، قد تجد الممثل والمؤلف والموسيقي والرياضي والسياسي، ولكن لن تجد عالماً واحداً، إذا سألت أغلب الناس عن أسماء بعض العلماء المصريين في المائة عام الأخيرة فلن تخرج القائمة عن أسماء أربعة: أحمد زويل وعلى مصطفى مشرفة ومجدي يعقوب وفاروق الباز مع حفظ الألقاب لهم جميعًا. هل مصر أخرجت فقط هؤلاء الأربعة في مئة عام؟

هنا تأتي دور الثقافة لتقوم بتعريف الناس بعلمائهم عن طريق السير الذاتية أو الحديث عن اكتشافاتهم والمصاعب التي واجهوها إلخ. الثقافة أيضاً تستطيع أن تعرف الناس تاريخ العلم والتكنولوجيا كما تعرفهم تاريخ الشعوب والأمم.

 

العلم بدوره يمكنه المساعدة على انتشار الثقافة عن طريق مختلف الوسائط وعن طريق المزج بين القراءة والتواصل الاجتماعي وعن طريق ترشيح كتب للقراء.

 

العلم والثقافة هدفهم واحد وهو تحسين الحياة في هذا العالم عن طريق التكنولوجيا وتهذيب النفوس وزيادة التراحم بين الناس والتسلية أيضاً لذلك يجب أن يساعد كل منهما الآخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved