اقتنصوا شرف اللكمة الأولى

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الخميس 11 أغسطس 2011 - 12:43 م بتوقيت القاهرة

 كم كان مدهشا ومفاجئا ذلك المشهد الذى ظهرت فيه إحدى السيدات من أنصار الرئيس المسترخى على سريره وهى تضرب سيدة من أقارب الشهداء أمام أكاديمية الشرطة أثناء محاكمة مبارك منذ أيام. الحقيقة أن أهمية هذا المشهد ليست فى قوة اللكمة التى وجهتها تلك السيدة مفتولة العضلات إلى وجة السيدة الأخرى، التى جاءت لكى تصدق بعينها أن دم قريبها الشهيد لم يذهب سدى، ليست اللكمة هى المهم. ولكن استقواء قلب المرأة الحديدية هو الموضوع.

وصلب الموضوع أن الثورة المضادة بالفعل بدأت فى تجميع قواها، وانتقلت من مرحلة الدفاع إلى الهجوم. وبدلا من أن كان أنصار النظام القديم يتجمعون منكسرين وحدهم فى ميدان مصطفى محمود، أو روكسى يقبلون صور الرئيس المنزوع منه الرئاسة، أو يعلنون ولاءهم للمجلس العسكرى. وبعدها يشتمون ويلعنون كل من انتمى بالفعل، أو بالقول، أو بالهتاف أو بالقلب مع ثورة يناير، ويعودون بعدها إلى منازلهم راضون بما فعلوا. الآن بدأوا فى ملاحقة ثوار يناير، ولم يعودوا يكتفون بتقبيل الصور وتمتع أعينهم برؤية رئيسهم المخلوع بفعل ثورة، ولكنهم يتجاسرون على الثوار ويتوعدونهم. ولم تعد تنقصهم شجاعة المباغتة بعد أن وصلتهم رسائل تطمين من السلطة الحاكمة.

فالحكومة أجلت مهمة تطهير البلاد من شر العباد لحين تطبيق قانون الغدر الذى مازال الجدل يؤجله يوما بعد يوم. ثم غيرت الحكومة المحافظين فآتت بمن هم من أهل الثقة فى النظام القديم، وزينت كراسى المحافظة بعدد لا بأس به من الرتب العسكرية، وكأن شيئا لم يكن. وقبلها بأيام يسحل الجيش المعتصمين فى ميدان التحرير فيصفق فريق الثورة المضادة مهللين مرحبين. ثم يعتدى الجيش على المجتمعين على مائدة إفطار رمضانية عند مسجد عمر مكرم فيفهم أعداء الثورة أنهم حصلوا على وقت بدل الضائع، وعليهم الاستعداد للعب من جديد دون إضاعة وقت.

وإذا كان فريق الميادين «غير التحريرية» قد بدأ يتحين الوقت للانقضاض فلا يجب على الفريق «التحريرى» أن يقف ليتلقف الضربات، أو يصدها بل عليه أن يكون المهاجم أولا.

ولذلك عندما انعقد مجلس قيادة اتحاد العمال المنحل بفعل القضاء الذى أبطل انتخابات عام 2006، وصب المجلس جام غضبه على وزير القوى العاملة الدكتور أحمد حسن البرعى، وعلى الثوار لأنهم تجرأوا وطالبوا بحل اتحاد العمال. بل ووصل الأمر إلى أن وصف أحدهم الثوار بأنهم «صراصير وكلاب شوارع» وأن الوزير «فقد عقله». واعتبر الآخر أن تسليم الاتحاد كما جاء به قرار المحكمة ما هو إلا «تسليم الحركة النقابية لعملاء التمويل الأجنبى وأعوانهم». ثم يتمادون فى غيهم ويقطعون ويعطلون شارع الجلاء أثناء انعقاد ما سموه جمعية عمومية، وبعدها يهددون بتنظيم اعتصامات وإضرابات لمواجهة قرار المحكمة ورئيس مجلس الوزراء بالحل. عندما يصلون إلى هذا الحد لا يجب التعامل معهم إلا باللجوء إلى تطبيق قانون تجريم الاعتصامات خاصة أنهم عطلوا عجلة المرور فى شارع الجلاء لساعات طويلة، ولعله ليس ببعيد الحكم على عدد من العمال الضعفاء بالسجن تطبيقا لذات القانون الكريه. ولكن مادمنا طبقناه على الضعفاء فالأقوياء أولى به.

ثم لا يجب السكوت على الاتهامات التى وجهتها قيادات من اتحاد العمال على قارعة الطريق أمام العامة ضد وزير القوى العاملة بالعمالة لأمريكا. فيجب أن يقدم مجلس الوزراء بلاغا للنائب العام ضد من اتهم الوزير بهذه التهمة الشنعاء التى لا يمكن التغاضى عنها، وإلا كان ذلك معناه أن الحكومة توافق على أن تضم بين أعضائها من هم من أصحاب الأجندات الأجنبية. وعندها يجب أن يكف الجميع حتى من هم داخل المجلس العسكرى عن اتهام أى فريق بذات التهمة التى أصبحت، فى حال السكوت عليها، مسوغا للتعيين فى الحكومة، ونيل شرف الكرسى الوزارى.

ليست هذه هى القضية الوحيدة التى يجب أن يعلو فيها صوت الثوار على أى صوت عداه، ولكن هناك صوتا آخر وهو من يطالب بإعلاء قيمة المساواة بين الناس. فعندما يطالب فريق من أساتذة كلية الإعلام بدمج شعبة اللغة الإنجليزية داخل الكلية وهى الشعبة التى يدخلها الطلاب بمصاريف وذلك بالتفرقة عن الطلبة الذين يتلقون الدراسة بالمجان. وهى البدعة الجديدة التى بدعها النظام القديم تحت شعار التعليم المتميز كخطوة للحد من مجانية التعليم. وحرمان قطاع كبير من المصريين غير القادرين من حق التعليم. التى كانت إحدى نتائجها إيجاد فروق تعليمية واجتماعية داخل نفس الكلية الواحدة. فبدلا من أن يحصل الجميع على نفس الخدمة التعليمية المتميزة اقتصرت على من يستطيع أن يدفع فقط. وهذا جزء من القيم التى كانت سائدة قبل الثورة والتى قامت عليها. وعندما يقف فريق ليدافع عن الإبقاء على هذا التمييز يجب على الفور أن يكون الرد حملة من أساتذة الكليات فى كل جامعات مصر وليس كلية الإعلام فقط للمطالبة بوقف هذا النظام المتحيز للأقدر ماليا واجتماعيا. وهذا لا ينفى حق القادرين أن يتعلموا فى كليات خاصة بعيدا عن التعليم المجانى الذى يجب أن نقاتل من أجل الإبقاء عليه داخل جامعاتنا الحكومية.

وليس ببعيد عن ذلك تلك الحملة التى يقودها بعض الإسكندرانية للاعتراض على نائب المحافظ الجديد الذين يتهمونه بأنه باع الشواطئ لبعض الأشخاص لكى يتحكمون فى خلق الله ويصبح البحر ملكا لمن يدفع تذكرته. وكنت أتمنى على أصحاب الحملة أن يوسعوا دائرة الهجوم، ليس فقط على الرجل ولكن على تلك التذكرة التى تحرم الناس من حق شرعه الله للجميع. والنجاح فى إلغاء هذه البدعة الشريرة معناه أن نعيد جزءا من حقوقنا التى سلبها النظام القديم. وهو المساواة فى حق التمتع بنعم الله بدون تذكرة. فإذا كنا لم نعد سواسية لا فى الأكل ولا فى الشرب ولا فى التعليم، ولا فى السكن، ولا فى العمل، ولا فى العيش الكريم، فلنكن سواسية فى البحر.

لا تنتظروا لكمات الثورة المضادة، وإياكم أن تعطوها الخد الأيسر، وخير لكم أن تقتنصوا شرف اللكمة الأولى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved