قطر والإخوان والمصالحة المستحيلة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 11 أغسطس 2015 - 1:53 م بتوقيت القاهرة

لا أعرف على أى أساس خرج وزير الخارجية القطرى خالد بن محمد العطية وصرح بأن بلاده مستعدة للوساطة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان؟

هل هناك تحركات تحت الأرض لا نعلمها دفعت المسئول القطرى البارز ليقول هذا الكلام الذى يبدو لكثيرين أنه غريب وربما مريب، أم أن الامر كله لـ«الغلوشة» على افتتاح قناة السويس أم ماذا؟!.

دعونا نتجاوز أن ما فعله الوزير القطرى هو تدخل فج فى شئون دولة أخرى، حينما يقترح الوساطة بين حكومة وجماعة محلية صارت تفاخر باستخدام العنف سلاحا لتحقيق هدف سياسى.

هل سنفاجأ قريبا بمسارات خفية، أو حتى لقاءات سياسية، كما حدث بين السوريين والسعوديين أخيرا؟!.

بغض النظر عن أى مفاجآت، فإنه من دون توقف العنف والإرهاب بالكامل، فإنه يصعب الحديث عن تهدئة، أو خطوات بناء ثقة، ناهيك عن المصالحة التى صارت كلمة سيئة السمعة لدى الكثير من المصريين.

الأمر المثير للدهشة والارتباك هو أن حديث العطية الأخير لتليفزيون «العربى» والذى تم تخصيصه بالكامل «للحالة المصرية»، افترض انه يمكن الحديث عن مصالحة فى ظل مجاهرة جماعة الإخوان بالعنف، وهو أمر إذا صح فإنه يطرح تساؤلا مهما، مفاده أن جماعة الإخوان لاتزال لديها قناعة بأنها قادرة على العودة للمشهد السياسى عبر استخدام العنف والإرهاب.

الوزير القطرى قال إن بلاده لا ترى جماعة الإخوان إرهابية، والمفارقة أن الجماعة نفسها أقرت وجاهرت وتفاخرت بالعنف.

الإخوان ظلوا يرددون أسطوانة «سلميتنا أقوى من الرصاص»، ثم خرج أحدهم قبل أيام ليقول إن «سلميتنا أقوى بالرصاص»، كما جاء فى تقرير مهم للنيويورك تايمز، يستنتج أن مفاصل الجماعة تتفكك، وأفرادها يلجأون للعنف أكثر من الفترة الأخيرة. كان البعض يصدق ان الجماعة بعيدة عن العنف، حتى فوجئنا بخناقة السلمية بين «الثلاثة محمود» أى محمود عزت ومحمود حسين ومحمود غزلان وهم يحاولون إقناع الشباب بعدم الانزلاق إلى العنف والإرهاب، والأخيران يرفضان ذلك، وقتها أقر غزلان بأن «البعض تفلت من السلمية»!.

قبلها بأيام صدر بيان نداء الكنانة من مكتب الإرشاد الدولى وفيه إقرار واضح لا لبس فيه بالعنف والإرهاب، بل تأييد عملى للإرهاب فى سيناء. ثم صار بعض الإخوان يتفاخرون بتدمير أبراج ومحطات الكهرباء، وقتل بعض ضباط وأمناء الشرطة، عبر المنظمات التى خرجت أخيرا من رحم الجماعة.

السؤال الجوهرى هو: هل تعتقد جماعة الإخوان أن الحكومة ومن خلفها غالبية الشعب يمكن أن يقبلوا التهدئة أو احتواء جماعة الإخوان وهى تجاهر بالعنف؟!

نظريا وعمليا فإن أى خطوة إيجابية من الحكومة باتجاه جماعة الإخوان الآن ستكون ترجمتها الوحيدة هى ان ممارسة العنف لها ثمن سياسى، وبالتالى، فإن زيادة منسوب العنف والإرهاب تعنى تعظيم هذا الثمن.

أى عاقل يتمنى أن تهدأ الأمور ويستقر هذا الوطن ويصبح لكل أبنائه، لكن لا ينبغى أن يتم ذلك بأى ثمن، أى لا ينبغى أن نحصل عليه، بثمن يعظم ويزيد من الإرهاب، وبالتالى فإن هذا الاستقرار سيكون وهميا.

الترجمة العملية لكل ذلك هى ضرورة وجود رسالة محددة وقاطعة من الحكومة والشعب بأنه لا تهدئة فى ظل استمرار العنف، ولا حديث بأى شكل مع الإخوان، قبل أن تتوقف عن العنف وتدينه بكل الأساليب الممكنة بالأفعال لا الأقوال، ثم تخرج إلى الشعب وتعلن أنها أخطأت وتطلب الصفح والغفران وتغير من مناهج التربية داخلها وتختار ما بين الدعوة أو السياسة، لكن لا يمكن أن تجمع بينهما على الإطلاق.

من دون تحقيق ذلك فإننا نستهلك الوقت، ونرسل رسائل خاطئة، خلاصتها أن ممارسة العنف تقود إلى تحقيق مكاسب سياسية على الأرض.

لو أن الجماعة جادة لأوقفت العنف فورا، ولو الحكومة القطرية جادة لطلبت من جماعة الإخوان التى صارت أداتها أو ذراعها السياسية والعسكرية أن تتوقف عن العنف، أولا قبل أن تعلن عن استعدادها للوساطة. مرة أخرى لا أعرف يقينا ماذا يحدث داخل الكواليس، لكن المؤكد أن ثمن المصالحات بالطريقة القديمة قد انتهى إلى غير رجعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved