أنصار ترامب المؤمنون به حقا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الخميس 11 أغسطس 2022 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتب إيان بوروما، يقول فيه إن سبب استمرار تمتع ترامب بجاذبية وثقة عاليتين بين أنصاره هو أنهم يرونه كالمسيح المنقذ وليس مجرد رجل سياسى. كما تناول الكاتب التحديات الحقيقية التى يواجهها ترامب فى طريقه للفوز بالرئاسة مرة أخرى... نعرض من المقال ما يلى.
لم يَـعُـد هناك أى مجال للشك بشأن حقائق ما حدث فى واشنطن العاصمة فى السادس من يناير 2021. على الرغم من إخباره من قِـبَـل دائرته المقربة، بما فى ذلك نائبه العام المخلص ويليام بار، بأنه خسر فى انتخابات نزيهة فى نوفمبر 2020، كسر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب القاعدة الأساسية التى تقوم عليها الديمقراطية: فقد رفض قبول هزيمته ودفع منذ ذلك الحين بنظريات المؤامرة حول «تزوير» انتخابى. حرض ترامب عمدا حشدا مسلحا من الغوغاء على اقتحام مبنى الكابيتول (مقر الكونجرس الأمريكى)، وعندما بدأ الحشد يعوى مناديا بشنق نائب الرئيس مايك بِـنس، لم يفعل ترامب شيئا وقال لموظفيه إن بنس يستحق ذلك لأنه رفض تنظيم انقلاب نيابة عنه.
هذه هى الاستنتاجات التى توصلت إليها لجنة مجلس النواب المعنية بالتحقيق فى أحداث السادس من يناير بعد أن أجْـرَت أكثر من ألف مقابلة. جاءت بعض الأدلة الأشد إدانة من أعضاء طاقم ترمب ذاته. قالت ليز تشينى، نائبة رئيس اللجنة من الحزب الجمهورى، فى بيانها الختامى: «هل من الممكن أن يؤتَـمَـن رئيس لا يتورع عن اتخاذ الاختيارات التى اتخذها دونالد ترامب أثناء أحداث العنف التى وقعت فى السادس من يناير على أى منصب سُـلطة فى أمتنا العظيمة مرة أخرى؟».
من منظور أغلب الجمهوريات والجمهوريين، ممن يميلون إلى اعتبار ليز تشينى خائنة، الإجابة هى «أجل، هذا ممكن». الواقع أن زعيم الأقلية فى مجلس النواب الأمريكى كيفين مكارثى رفض أن تكون له أى علاقة باللجنة. وفقا لاستطلاع حديث للرأى، يعتقد 40% ممن ينتمون للحزب الجمهورى أن ما حدث فى السادس من يناير ليس مدعاة للقلق. ويرى 40% منهم أيضا أن الهجوم العنيف على مبنى الكابيتول كان احتجاجا سياسيا مشروعا.
يختلف مع هؤلاء فى الرأى أكثر من نصف الشعب الأمريكى. من الواضح أن أتباع الحزب الديمقراطى لا يتفقون معهم، والعديد من المستقلين والمستقلات أيضا يحولون وجوههم بعيدا عن ترامب فى اشمئزاز. ولكن ما الذى يفسر استمرار الرئيس السابق فى الاستحواذ على ثقة ومودة هذا العدد الكبير من الجمهوريين والجمهوريات؟ قد يكون الجهل وعدم الاكتراث جزءا من التفسير، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فهو جهل متعمد، لأن كل الحقائق حول السادس من يناير خرجت إلى العلن، حتى برغم أن فوكس نيوز رفضت بث جلسات اللجنة.
لكن الحديث عن الحقائق قد يقودنا بعيدا عن الغرض الحقيقى. يرى الكثير من أنصار ترامب أنه أكثر من مجرد سياسى. يرجع جزء كبير من جاذبيته إلى أنه لم يكن سياسيا حقا على الإطلاق. لقد لجأ الناس إليه على أنه مسيح مُـخَـلِـص. إنهم لا يدعمونه فحسب، بل يؤمنون به كمنقذ يمنحهم شعورا بالفخر، وبخاصة لانتمائهم إلى شىء أعظم من حياة أى شخص كفرد.
• • •
العامل الطبقى شديد التأثير فى هذا الصدد. الواقع أن أكثر مؤيدات ومؤيدى ترامب إخلاصا له أمريكيون من ذوى البشرة البيضاء الذين لم يحصلوا على أى تعليم عال، ويعيشون غالبا فى المناطق الريفية، ويشعرون بأن صوتهم غير مسموع ويُـنـظَـر إليهم باستعلاء، بل ويحتقرهم الشعب الأمريكى من سكان المناطق الحضرية الأكثر تعليما. وكلما استنكر الليبراليات والليبراليون المتعلمون ما وصفه الرئيس الأمريكى باراك أوباما ذات يوم بأنه جماعة من الناس «يتشبثون بالأسلحة النارية أو الدين أو كراهية الناس الذين لا يشبهوهم»، كلما اشتد أنصار ترامب فى التمسك بمعتقداتهم.
من الواضح أن ترامب يدرك هذا، ويشارك على الرغم من ثروته الضخمة فى السخط الشعبى على النخب التى لم تتقبله قَـط هو أو أفراد أسرته المشبوهون من العاملين فى مجال العقارات. ومن الواضح أن اعتياده على الاعتداء عل القيم الدينية التى يعتبرها العديد من أتباعه مقدسة لا يزعجهم. فمعظم البشر خطاؤون على أية حال. الواقع أن معدلات الطلاق وولادة المراهقات أعلى فى الولايات الجمهورية الراسخة من مثيلاتها فى الأجزاء الأكثر ليبرالية فى أمريكا. وكلما ازدادت حدة انتقادات خصومه السياسيين له لكونه زانيا ومتعصبا وكاذبا، كلما اشتد أتباع ترامب فى الدفاع عنه. لهذا السبب لم تشكل الحقائق التى عرضتها لجنة السادس من يناير أى أهمية فى نظرهم.
المفتاح إلى فهم كل هذا يتلخص فى حقيقة مفادها أن ترامب، مثله كمثل كل زعماء الدهماء البارعين، يمنح الأشخاص الذين يشعرون بالعجز إحساسا بالقوة الجمعية. إنه يطلق العنان بينهم لشعور دافئ بـ«نحن» ضد «هم»، وبكونهم «وطنيين» يناضلون ضد أنصار العالمية الحضريين الذين يدللون الأقليات غير البيضاء، والمهاجرين والمهاجرات، والمتحولين والمتحولات جنسيا.
• • •
تُـرى هل تسمح الجاذبية التى يتمتع بها ترامب بين هؤلاء المؤمنين الصادقين بأن يصبح رئيسا مرة أخرى؟ من الحماقة استبعاد ترامب فى هذه المرحلة. لكنه يواجه تحديات حقيقية. فسوف يدلى عدد متزايد من الشعب الأمريكى بأصواتهم لصالح المرشحين الذين يروقون لهم بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية. والكثير منهم لا يحبون ترامب. يساور القلق النساء بشكل خاص إزاء القرار الأخير الصادر عن المحكمة العليا الأمريكية، العامرة بقضاة رجعيين اختارهم ترامب شخصيا، لتجريدهن من حقهن الدستورى فى الإجهاض.
الأسوأ من هذا بالنسبة إلى ترامب هو تآكل الدعم الذى يحظى به فى وسائل الإعلام القريبة من الفِـكر الجمهورى. فالآن نجد الصحف المحافظة، مثل وال ستريت جورنال ونيويورك بوست، تنتقد سلوكه فى السادس من يناير، وحتى فوكس نيوز لم تعد المشجع الذى يمكن الاعتماد عليه. ويُـقال إن روبرت مردوخ، الذى يمتلك تلك المنافذ الإعلامية الثلاثة، فى ليلة خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية، زمجر قائلا: «تبا له».
لا يعنى أى من هذا بالضرورة أن معظم الجمهوريات والجمهوريين يرفضون ترامب. ربما لا يزال كثيرون يصدقون ادعاءه بأن فوز جو بايدن كان مزورا. لكن عددا متزايدا منهم يقولون إنهم سئموا من طنطنة ترامب المستمرة حول ما حدث قبل ما يقرب من عامين؛ إنهم يريدون لحزبهم أن يمضى قُـدُما.
• • •
دائما ما تكون الـغَـلَـبة للنسيان والملل سريعا فى السياسة الأمريكية. ولكن الأمر ينطوى على سبب آخر وراء احتمال تحول المد ضد ترامب. وصفت الخبيرة الاستراتيجية الجمهورية سارة لونجويل مشاعر الكثير فى حزبها: «إنهم يعتقدون أن جلسات الاستماع كانت غبية وهم يحبون دونالد ترامب، لكنهم يُـجرون حساباتهم السياسية حول من قد يتمكن من الفوز».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved