هل الأديان فى حاجة لأن ندافع عنها؟

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 11 أكتوبر 2014 - 7:38 ص بتوقيت القاهرة

فى كل مرة ترتفع فيها الأعلام السوداء ويزداد العنف المرتبط بالدين نجد خطابا عال النبرة يشدد قائلا إن الدين لا علاقة له بالعنف، وأن ما يحدث فى بلادنا ما هو إلا مؤامرة غربية. والمنصف يقول أن المؤامرة الغربية التى وراء داعش والقاعدة ونظرائهم وجدت تربة جيدة فى بلادنا بسبب تخلف العقليات وما يفرزه ذلك من انحرافات لذلك نجد المؤامرة وقد زرعت ونمت فى تربة بلادنا الطيبة.

هذا الخطاب يتناسى ويتحاشى عدة حقائق تاريخية أو فقهية ثابتة، ونحن فى حاجة ماسة إلى خطاب واقعى قادر على المواجهة والمكاشفة يقول إن العنف الحادث الآن هو من نتاج ثقافاتنا وتاريخ أدياننا. ونحن لا نستطيع أن ننكر ذلك، فالديكتاتورية كانت سائدة فى منطقتنا قبل دخول المسيحية فالحضارة الفرعونية والآشورية والرومانية وغيرها كانت حضارات ديكتاتورية بشكل أو بآخر، وعندما دخلت المسيحية تحولت شيئا فشيئا إلى ديكتاتورية دينية فى القرن الرابع. ثم جاء الإسلام فى القرن السادس ومع الوقت تحول الحكام إلى ديكتاتوريين.

ومن الأفكار الغريبة التى شكلت الدعوات الدينية على مدى الزمن فكرة أن الله يتخذ جانب شعب ما ضد شعوب أخرى، خاصة عند الحديث عن شعب يؤمن بالله وشعوب لا تؤمن به أو تؤمن به لكن ليس بطريقتها. وهذه الفكرة موجودة بطريقة أو أخرى فى فكر الأديان الإبراهيمية الثلاثة، ففى الديانة اليهودية فرقوا منذ البدء بين اليهودى المؤمن وبين الأغيار أو الأمم، حتى فى المعاملات المالية، الضيافة والزواج.. إلخ. وقد اعتبروا الأمم من غير اليهود كلاب لا يستحقون الحياة. وفى التاريخ اليهودى حروب إبادة قام بها اليهود ضد أعدائهم والعكس.

ومن أكثر تجليات الفكر الدينى اليهودى المعاصر الحركة الصهيونية التى استولت على أرض فلسطين بقوة السلاح والقتل بنصوص دينية أن الله وهبهم الأرض من النيل إلى الفرات وهو وعد الله لأبينا إبراهيم. وبمعونة واضحة من الاستعمار الإنجليزى لفلسطين الذى سلم الأرض لهم قبل رحيله وتمتلئ كتب اليهود وإعلامهم بأدبيات توراتية عن العهد والأرض والوعد، ويحققون كل ذلك بقوة السلاح والعنف باسم الله.

•••

عندما بدأت المسيحية كانت مسالمة طبقا لتعاليم السيد المسيح لكن بعد أن صارت المسيحية الدين الرسمى للإمبراطورية الرومانية وانقسمت الكنيسة، بدأ العنف بين الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية ودخلت فى عصر الظلام، وكانت النتيجة وصمة الحروب الصليبية التى كانت حربا دينية بامتياز استخدم العنف فيها بشكل غير مسبوق، وتحول شعار الصليب رمز المصالحة بين الله والإنسان، والإنسان وأخيه الإنسان إلى شعار للحرب والقتل والتدمير.

وبعد ألف عام من الظلام جاء الإصلاح الدينى، ومن خلاله وقعت حروب شرسة بين الكاثوليك والبروتستانت. ومن تراث الإصلاح خرجت علينا المسيحية الصهيونية التى ربطت بين عودة اليهود لفلسطين وعودة السيد المسيح ثانية، وبدأت بعض المجموعات الخارجة عن الكنيسة تعضد إسرائيل لتعيد يهود العالم إليها، منادية بأنه لكى يأتى المسيح ثانية لابد وأن تقوم كل دول العالم مجتمعة بحرب لإبادة إسرائيل وإذ تجتمع جيوشها حول إسرائيل لتدميرها يتدخل الله بقوى الطبيعة فيبيد ثلثى العالم، وعندئذ يأتى السيد المسيح ويتعرف عليه اليهود ويعترفون به فيضمهم إليه كما المسيحيين ثم يحكم العالم لألف عام. أى لكى يأتى المسيح ثانية لابد أن يأتى على أشلاء ثلثى العالم، وهو ما يتناقض تماما مع المجىء الأول للمسيح ورسالته المليئة بالحب والرحمة، فكيف يملك مسيح الحب والرحمة على الأشلاء والدماء؟

أما الإسلام فمنذ الفتنة الكبرى، حيث جز يزيد بن معاوية رأس الحسين رضى الله عنه ورفعها على سن رمحه ورقص بها فى دمشق محتفلا بانتصاره، وكان القتل من الخوارج على الهوية، والهوية كانت السؤال هل على رضى الله عنه على حق أم لا؟ وصولا إلى داعش والقاعدة، مرورا بمذبحة الصرب على يد الأتراك ومذبحة الأرمن، والتى تقدر بأكثر من مليون إنسان مع تاريخ طويل لمؤامرات المماليك والجزية وهدم الكنائس وتهجير المسيحيين والمفارقة العجيبة أن تستمر بعض تلك المماراسات فى عصر التكنولوجيا والكوكبية ومع ذلك تسمع من يقول لك من السلفيين «المواطنة حديث جاهلية»، وتسمع من يؤسس للخلافة الإسلامية بقطع الرءوس وافتتاح سوق النخاسة للنساء والأطفال والرجال، وتسمع من يقول إن هذه السوق موجودة فى موريتانيا بشكل قانونى وملوك وأمراء العرب يشترون منه، وأن العرب هم الذين كانوا يخطفون الأفارقة السود ويشحنونهم إلى أمريكا ويبيعونهم كعبيد وهذه حقيقة تاريخية.

•••

كل هذا وخطابنا يردد بلا ملل إن هناك مؤامرة خبيثة يحاولون زرعها فى أرضنا الطيبة، نحن لا نرفض المؤامرة لكن هذه المؤامرة أخذت قوة دفع وقبول شديد وتجاوب من تراثنا وتاريخنا وتاريخ أدياننا. يقول مفتى السعودية «تعاقب داعش فى حال قتلهم للمسلمين» ولعلك تذكر ــ عزيزى القارئ أحد أشهر أئمتنا، وهو يصلى ركعتين شكر لله عندما هزمت مصر عام 1967 وألم يصرح شيخ الجامع الأزهر بأنه لا مانع من بناء الكنائس فى مصر إن لم يتعارض ذلك مع الأمن القومى!

يا سادة إن العنف يجرى فى دمائنا مع التفسير الخاطئ للدين الذى لقنوه لنا ونحن أطفال، ومع الخطاب الدينى المتعصب من منابر المساجد والكنائس ومن مقررات دراسية تكفر الآخر المختلف ومن حضارة تمتد إلى آلاف السنين بنيت على العنف الدينى.

يا سادة إن كنا جادين فى كسر الدائرة الجهنمية للعنف فنحن فى حاجة لخطاب مختلف ولست أقصد هنا الخطاب الدينى فقط ذلك لأن القضية أكبر من ذلك بكثير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved