بارقتان للأمل

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 11 أكتوبر 2015 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

موجات من الجنون تضرب بلاد العرب دون هوادة، وأفق للخروج من أزماتنا المستعصية يواصل الغياب.
تعمق روسيا من المأساة السورية بتورط عسكرى، والنتيجة الأولية هى سيطرة داعش على المزيد من المدن فى غرب سوريا.
تتواصل الحرب الظالمة على اليمن ويستمر سقوط الضحايا ويتسع نطاق الدمار، والنتيجة المؤكدة هى أن الحرب لن تصنع منتصرين واضحين ولا مهزومين كاملين.
رداءة مفجعة فى مصر تتغول على مشهد انتخابى قادم لا مضمون ديمقراطيا به وحكم فرد تنتج الدوائر المحيطة به إما مبررات فاسدة للقمع أو ضجيجا يقصى قيم العدل والعقل والتسامح بعيدا عن المجال العام، والنتيجة المؤكدة اليوم وغدا هى تشوه المجال العام وتشوه ضمائر الناس وانهيار قدرتها على الإبداع والاجتهاد والعمل إن بسبب جمهورية الخوف التى تحاصرنا جميعا أو بفعل مناخ الحرية الغائب.
حروب وصراعات وعنف وإرهاب وجرائم ضد الإنسانية تهز أركان المجتمعات والدول فى الكثير من بلاد العرب من العراق إلى السودان وليبيا ووسائل إعلام ونخب رأى تزيف الوعى وتصمت على المظالم والانتهاكات وتتجاهل الضحايا وتمتنع عن تداول المعلومات والحقائق إن بشأن هوية ضحايا داعش وضحايا الميليشيات الشيعية فى العراق أو بشأن أعداد ضحايا حروب الجيش السودانى فى دارفور وكردفان وجبال النوبة، والنتيجة هى ارتحال ونزوح ولجوء وعرب يتركون بلادهم بحثا عن ملاذات آمنة عن صون الحق فى الحياة ومجتمعات ودول عربية لم تعد مؤهلة للاستمرار.
وبينما موجات الجنون هذه تضربنا دون هوادة، إذ بالشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية والقدس وفى غزة يتحرك ليواجه الاحتلال الإسرائيلى بعد أن بلغ الإجرام الاستيطانى معدلات غير مسبوقة وبلغ المسار التفاوضى نهايات سلبية يصعب التحايل عليها وتراكمت الجرائم والمظالم والانتهاكات التى ترتكبها إما آلة القتل الإسرائيلية أو مجموعات المستوطنين ضد الفلسطينيين وتعاملت القوى الإقليمية والدولية مع فلسطين حق تقرير المصير وحق الدولة المستقلة وحق العودة باستعلاء مقيت. اليوم، يتجاوز الفلسطينيون «مرحلة أوسلو» ويعيدون تذكير العالم بقضيتهم العادلة، وسيمثل الابتعاد عن سلمية الحراك الحالى والانجرار إلى العنف الذى تسعى آلة القتل الإسرائيلية مجددا إلى فرضه خطأ فادحا يتعين تجنبه والتمسك بمخاطبة الإقليم والعالم كشعب مضطهد ومحتل يواجه إبادة منظمة لحقه فى تقرير المصير.
وبينما موجات الجنون هذه تضربنا دون هوادة، يظهر فى الأفق من جديد النجاح التونسى فى صناعة توافق وطنى حول الانتقال الديمقراطى والامتناع عن الانزلاق إلى صراعات صفرية بين الإسلاميين والعلمانيين وبين القوى القديمة والجديدة وصياغة إطار دستورى وسياسى به الكثير من النواقص غير أن يضمن تقاسم السلطة والمشاركة شريطة التزام السلمية والابتعاد عن إقصاء الآخر. لم يكتمل بعد البناء الديمقراطى فى تونس وبالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة الكثير من استدعاء تركة بن على الثقيلة وإحيائها دون مراعاة لحقوق الفقراء والضعفاء والمهمشين، غير أن القوى السياسية تدرك استحالة الانقلاب على الإجراءات الديمقراطية وتدرك أيضا تعذر استئثار أى منها بالحكم وبصناعة القرار العام وتلتزم لذلك بصناعة التوافق وبتجديد دمائها بانتظام ــ خاصة فى لحظات الأزمات الوطنية كتلك التى تلت الهجمات الإرهابية الأخيرة. ويساعدها فى ذلك مجتمع مدنى حيوى ومتمسك بالدفاع عن الإجراءات الديمقراطية والانتصار لها مهما كانت هشة ومحدودة، ولهذا منحت بعض منظمات المجتمع المدنى التونسى جائزة نوبل للسلام عن جدارة واستحقاق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved