العراقيون قالوا لا لإيران

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 11 أكتوبر 2019 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

العراق بلد عربى كبير، وسيظل عربيا، وثبت أن محاولات تغيير هويته سواء من جانب أمريكا أو إيران أو تركيا عملية شبه مستحيلة.
الخبر السيئ لإيران أن كل محاولاتها لتحويل العراق إلى مجرد تابع أو محافظة إيرانية جديدة، قد ثبت فشلها.
الولايات المتحدة الأمريكية، وخلافا لما يعتقد الكثيرون أسدت أفضل خدمة لإيران، حينما قدمت له العراق على طبق من ذهب بغزوها الهمجى للعراق فى مارس ٢٠٠٣.
إيران قبلت الهدية، وصار عملاؤها أو المتعاطفون معها أو الخائفون منها هم الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ الغزو الذى نفذته عصابة المحافظين الجدد فى واشنطن أثناء حكم جورج بوش الابن بمشاركة تابعه تونى بلير. إسرئيل استفادت كثيرا من خدمة بوش وفريقه، لكن المستفيد الأكبر كان إيران، التى باتت المتحكم الحقيقى فى أحوال العراق، الذى يحاول فى السنوات الأخيرة التخلص من هذه الهيمنة والعودة إلى دوره وهويته العربية.
الخبر المفرح أن الشعب العراقى يعرف هويته جيدا، والأهم لم يتأثر بكل محاولات غسيل المخ التى تتم بصورة ممنهجة منذ ١٦ عاما، والدليل ما حدث فى المظاهرات الأخيرة.
فى الأسبوع قبل الماضى اندلعت مظاهرات شعبية عارمة فى العديد من المدن العراقية، احتجاجا على الفساد وتردى الخدمات وغياب فرص عمل وزيادة العمالة الأجنبية. هى ليست المرة الأولى، لكنها كانت الأعنف والأخطر.
هى بدأت فى بغداد العاصمة، ثم انتقلت إلى المحافظات الشيعية، خصوصا فى الناصرية بمحافظة ذى قار، والسماوة فى محافظة المنثى، والديوانية ومدن أخرى، ثم عادت مرة أخرى إلى مدينة الصدر شرق بغداد أكثر عنفا.
الجديد والسيئ بالنسبة لإيران أن المتظاهرين هتفوا ضدها وأحرقوا أعلامها، والأخطر أنهم حرقوا مقار الأحزاب الشيعية ووسائل الإعلام القريبة من إيران أو المتحالفة معهم.
أن يحدث ذلك، فهذا يعنى أن الناس وصلوا لنقطة اللاعودة، ولم تعد تنطلى عليهم الأحاديث العاطفية أو الشعاراتية أو المذهبية الفارغة.
يمكنك أن تخدع الناس بالشعار لفترة لكن لا يمكنك أن تفعل ذلك طوال الوقت. إيران وصفت المظاهرات فى البداية بأنها أحداث شغب، لأن المتظاهرين طالبوا بوقف تدخلها فى العراق ووقف هيمنتها على صنع القرار السياسى وأسواق الاقتصاد خصوصا اعراقها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ العراق بمنتجاتها.
الإيرانيون وصفوا المتظاهرين بالمشاغبين، وأجهزة الأمن العراقية تحدثت مرارا عن مندسين أطلقوا رصاص القناصة على المتظاهرين، فقتلوا منهم ١٠٥ وأصابوا ستة آلاف. كان ذلك فى البداية، ولكن حينما امتدت المظاهرات إلى محافظات ومدن وأحياء شيعية فقد كان مستحيلا الاستمرار فى نفس النغمة!!
وفى المرحلة الثانية دعت إيران المتظاهرين إلى التوجه إلى السفارة الأمريكية واحتلالها باعتبارها وكر وبؤرة التجسس.
حتى هذا الأمر لم ينجح لأن مشكلة المتظاهرين ليست مع الأمريكان مباشرة الآن، بل مع من أفقروهم. صحيح أن الأمريكيين هم سبب البلاء الأصلى من البداية، لكن إيران تهيمن على العراق عمليا منذ سنوات فى سائر المجالات.
حتى حكاية المندسين ثبت أنها مبالغ فيها جدا لأن أجهزة الأمن قتلت أكثر من ١٥ شخصا فى مدينة الصدر فى مواجهات مباشرة خلال يوم واحد، وانتهى الأمر إلى التحقيق مع الضباط والجنود بتهمة الاستخدام المفرط للقوة، ولم يتحدث أحد مرة أخرى بصوت مرتفع عن المندسين.
وهناك تقديرات غير مؤكدة بأن عناصر فى الحشد الشعبى، هم من تسببوا فى هذا العدد الضخم من القتلى والمصابين، باعتبار أن الولاء الأكبر لغالبية عناصرالحشد وقادته لإيران ولقادة الحشد المتحالفين معها، الذين يقاومون بكل السبل اندماجهم فى الجيش العراقى النظامى.
هذا الحشد قنبلة موقوتة نسأل الله ألا تنفجر فى الشعب العراقى، وأن يتم تفكيكها بأقل قدر من الخسائر، وتلك قصة أخرى نرجو أن نعود إليها لاحقا.
مظاهرات الأسبوع الماضى تبعث برسالة واضحة لإيران والمسئولين العراقيين المتحالفين معها، بأن حل المشكلة ينبغى أن يبدأ بتغيير الثقافة السياسية السائدة.
الأحزاب التى تتحدث عن الحل هى أساسا سبب المشكلة، حينما قبلت لعبة المحاصصة والمذهبية والفساد المالى والإدارى.
كل التمنيات الطيبة للشعب العراقى بحياة لائقة ومحترمة وآدمية يستحقها لأنه صاحب تاريخ وحضارة عريقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved