على الجميع أن يندموا ويتوبوا

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الخميس 11 نوفمبر 2010 - 11:40 ص بتوقيت القاهرة

 كان لمجزرة كنيسة سيدة النجاة (العذراء مريم) وقع مؤلم وصادم على كل إنسان مخلص لوطنه وعروبته ودينه، فالمجزرة حدثت فى كنيسة «أى فى بيت من بيوت الله»، والساجدون فيها شعب يصلى لا يحمل سلاحا وليس فى قلبه ضغينة أو حقد، بينهم نساء وأطفال لاحول لهم ولا قوة وليسوا طرفا فى قضية سياسية أو دينية وفجأة نزلت بهم النازلة وإذا بهم رهائن فى أيدى إرهابيين لا يخافون الله ولا يهابون إنسانا يدعون أنهم يدافعون عن الله بقتل البشر وإراقة دماء الأطفال الأبرياء، والمفاجأة الكبرى أن هناك مصريا، بينهم بالإضافة إلى البيان الذى أمهل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية 48 ساعة للإفراج عن السجينتين وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة اللتين أسلمتا وسلمتهما القوات الأمنية للكنيسة، وأرجو أن يكون هذا البيان بهذه الصورة دعا كثيرين ممن شاركوا فى الاحتقان الطائفى فى مصر إلى الندم على ما قالوه أو ساهموا به فى تأجيج نيران التعصب والفرقة بين المسيحيين والمسلمين فى مصر.

ولعل أول من يقلق ويندم فى قبره يكون الرئيس السادات، الذى استمع إلى نصيحة بعض مستشاريه بإطلاق المارد من داخل القمقم لكى يتصدى للشيوعيين فى الجامعات، وقام أحمد إسماعيل محافظ أسيوط فى ذلك الوقت بترك الحبل على الغارب للجماعات الإسلامية، وقد تغول المارد وكبر واستطاع فى النهاية أن يغتال السادات نفسه، ومن يومها لم يستطع أحد أن يعيد العفريت إلى القمقم، وإذا كان الأموات يشعرون بالأحياء حقيقة، فسيكون السادات هو أول النادمين.

على الكنيسة فى مصر أن تندم ندما شديدا ذلك لأنها اختارت طريقا مختلفا فى التصدى للتمييز ضد المسيحيين تاركة تراثها العظيم فى هذا الشأن والذى كان له تأثير واضح فى القديم حيث كانت الكنيسة دائما تؤكد انتماءها للوطن وحفاظها على سلامته ووحدته من خلال الصوم والصلاة فى أوقات الشدة والضيق والتعبير عن ذلك بصور سليمة ومتعددة فى الوقت، الذى فيه يشارك أبناؤها فى الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال الأحزاب المعترف بها مع التأكيد على مشاركة المسلمين فى الدعوة إلى الحرية والاستقلال وكرامة الوطن المصرى وتأكيد فكر المواطنة إلا أن النهج الذى اتبعته الكنيسة فى التصدى للتمييز كان عن طريق احتضان المظاهرات للحصول على امتيازات أو خروج رموزها عن المألوف بانتقاد الآخر ومقدساته واعتبار هذه الأمور نوعا من النجاح واكتساب شعبية بطريقة أو أخرى.

وقد أدى هذا إلى اضطرار قداسة البابا للاعتذار وهذا ليس هينا ويدل على وجود خطأ ما بل إن معالجة الكنيسة مؤخرا لقضايا مثل قضيتى وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة كانت تتسم بغرابة شديدة، فالكنيسة انفعلت بشدة لأنهما زوجتا كاهنين ونحن نسمع عن فتيات مسيحيات يختفين لسبب أو آخر دون أن يحدث أى نوع من الاحتجاجات الرسمية المؤسسية أو الشعبية، بل خرجت المظاهرات بسب شائعة إسلام أحداهما على غير الحقيقة، والسؤال هو لماذا اتسمت المعالجة بالغموض فى وقت يحتاج إلى الوضوح والشفافية، ولا شك أن كل من ساهم فى ذلك من المؤسسة الكنسية وشعبها ورموزها يشعر بالندم الشديد.

لكن هناك فئة ثالثة عليها أن تندم ندما شديدا وهم أولئك الكتاب المسلمون الذين تميزوا طوال حياتهم بالاعتدال والثقافة والدعوة للدولة المدنية ورفض الممارسات المهينة ضد المسيحيين، هؤلاء قدموا اجتهادات رائعة ومفيدة من قبل لصالح الوطن والمواطنة.

أما الدولة فعليها أن تندم ندما شديدا لأنها تأتى دائما متأخرة فقد كانت ظواهر التعصب الشديد لا تخفى على أى عين فاحصة، فانتشار النقاب رغم رفض الأزهر والأوقاف وكبار العلماء وانتشار العنف دون مقابلته بالحسم الكافى فى هذه الأمور، ولم تحسم الحكومة أى قضية تمييز وما زالت المناصب العليا بعيدة عن المسيحيين وتقرير جمال العطيفى عام 1972 والذى يوصى فيه بقانون لبناء دور عبادة موحد لم يخرج إلى النور حتى الآن، ودائما يأتى الحسم متأخرا، ففى الأزمة الطائفية الأخيرة تركت الحكومة الأزمة تتفاعل حتى أخرج البابا شنودة وشيخ الأزهر بيانا، لكن هذا البيان لم يكن له التأثير المطلوب لسببين، الأول أن البيان يصب فى صالح الدولة الدينية والآخر لأنهما الطرفان المسئولان عن أولئك، الذين أثاروا الفتنة، ولم تهدأ الأمور إلا عندما تحدث الرئيس مبارك عن الخطوط الحمراء التى لا يجب تجاوزها، ولا شك أن الوقاية خير من العلاج.

ولا شك أن الحكومة اليوم تشعر بالندم الشديد لأنه كان يمكن من زمن وأد هذه الفتنة، أما الشعب المصرى الذى يعانى أشد المعاناة من الفتنة الطائفية عليه أن يندم فقد سار خلف الخطاب الدينى المتطرف وفضائيات الإرهاب، وتجاوب مع من طلبوا منه الخروج فى مظاهرات فارغة من اجل شائعات هنا وهناك وفى النهاية كان هو الضحية، لأفكار غريبة وتوجهات شاذة بل واهتمامات ليست هى الأهم بالنسبة له ولحياته ومستقبله، ليس هذا فقط بل سار خلف الخرافات والشعوذة والحديث عن الجن والعفاريت، والشفاء بالأعشاب وتفسير الأحلام، وهكذا ترك الشعب المصرى أساسيات حياتهم وعيشهم والغلاء الحارق والسياسيين الذين يلعبون بهم، وتفرغوا لأمور هامشية لا قيمة لها ووقعوا فى فخ الجهل والسطحية والتطرف، والآن على هذا الشعب أن يندم ندما شديدا ويعيد حساباته.

أما أمريكا فماذا نقول لها؟ ألست نادمة على غزو العراق وكنت تتحدثين عن دولة ديمقراطية عراقية واليوم لدينا دولة عراقية ينعق فيها بوم الخراب من الإرهاب؟!.

لا شك أن ما نحتاجه اليوم ليس مجرد الندم للندم رغم أنه مطلوب لكن الندم يدعونا لان نتوب وكلمة التوبة تعنى أن إنسانا كان يسير فى طريق يظن انه صحيح، وسوف يصل به وببلده وأتباع دينه إلى النصرة و المجد لكنه اكتشف بالممارسة انه طريق خاطئ، وعندها عليه أن يتوقف، ويستدير ليسير فى طريق عكسى فيه يعيد حساباته فإذا كانت الأحداث الأخيرة جعلت الكنيسة والأزهر والمثقفين المصريين والمشرفين على الإعلام والحكومة والشعب يندمون فعليهم أن يعلنوا ذلك عن طريق توبتهم وإعادة التقييم والعمل بطريقة جادة لأجل مستقبل أفضل لمصر، وإذا لم يفعلوا فذلك دليل على عدم الندم وهو ما يعنى شيئا من الاثنين إما افتقاد الوعى بما يفعلون، أو عدم القدرة على تحمل المسئولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved