دوافع ونتائج القمة الأمريكية الصينية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 - 6:20 م بتوقيت القاهرة

 

عقد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الصينى شى جين بينج قمة يوم 30 أكتوبر 2025 فى مدينة بوسان الساحلية فى كوريا الجنوبية، وذلك على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادى (أبيك). وسبق القمة الأمريكية الصينية مفاوضات مكثفة بين الخبراء وكبار المسئولين الاقتصاديين والتجاريين مدفوعين برغبة من الجانبين فى التوصل إلى تفاهمات واتفاقات تؤدى إلى تهدئة الحرب التجارية بينهما والتى بدأ بإشعالها الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية مبالغ فيها على الواردات الأمريكية من السلع الصينية، ورد الصين برسوم وإجراءات تجارية مضادة، الأمر الذى ألحق أضرارًا كبيرة باقتصاد البلدين وأحدث ارتباكًا اقتصاديًا وتجاريًا عالميًا باعتبارهما أكبر اقتصادين فى العالم.

• • •

ثمة دوافع لدى كلا الطرفين لعقد هذه القمة. بالنسبة للجانب الأمريكى، فقد أدت الجمارك العالية التى فرضها ترامب على الواردات من الصين إلى انخفاض حاد فى الأسهم الأمريكية. بينما اعتبر ترامب أن الرسوم الجمركية العالية بمثابة دواء لزيادة الدخل الأمريكى وحماية السوق الأمريكية من تدفقات السلع الصينية مما يخدم الاقتصاد الصينى على حساب الاقتصاد الأمريكى. لكن ترامب اضطر لوقف العمل بالرسوم الجمركية العالية لمدة 90 يومًا بعد موجة بيع حادة فى سندات الخزانة الأمريكية والتى طالما اعتبرت استثمارًا آمنًا، إلا أن الحرب التجارية هزت الثقة فيها. وبدأ ترامب يتحدث عن اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية مع تأكيده أنها لن تلغى تمامًا. وأدركت الصين أن سوق السندات له تأثير ملحوظ على الاقتصاد الأمريكى، وتمتلك الصين نحو ما قيمته 700 مليار دولار أمريكى من سندات الخزانة الأمريكية، فى المرتبة الثانية بعد اليابان، وهذا يمنحها تأثيرا كبيرا على سوق السندات الأمريكية سواء بالبيع الجزئى أو بالتوقف عن شراء سندات جديدة، رغم ما قد يصيبها من فقدان أرباحا تحققها وينعكس سلبيًا على استقرار اليوان الصينى فى الأسواق العالمية. ومن ثم، فإن ملكية الصين لهذا الكم من السندات الأمريكية يعد ورقة مساومة أكثر منه سلاحًا تستخدمه ضد واشنطن.

وتسيطر الصين بدرجة كبيرة على استخراج وتصنيع المعادن النادرة وما لها من أهمية فى صناعات التكنولوجيا المتقدمة، فلديها رواسب ضخمة من هذه المعادن تستخدمها فى صناعة السيارات الكهربائية التى تفوقت فى إنتاجها على الولايات المتحدة الأمريكية، وصناعة توربينات الرياح، والمادة المقاومة لحرارة محركات الطائرات النفاثة. وقد قيدت الصين تصدير سبعة معادن أرضية نادرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض المعادن الأساسية لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعى. وتنتج الصين نحو 61% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة فى العالم ونحو 92% من طاقة تنقيتها. وقد أدى وقف الصين لتصدير بعض المعادن النادرة إلى ارتفاع أسعارها للضعف ويخشى أن تزداد ارتفاعًا مما يحدث ارتباكًا فى كل الصناعات التى تعتمد بدرجة أساسية عليها. وكانت الصين تستورد من المزارعين الأمريكيين نحو 40% من وارداتها من فول الصويا، ولكنها انخفضت فى الربع الأول من عام 2025 إلى نحو 20% فقط، ثم توقفت منذ مايو 2025 بعد تطبيق ترامب الرسوم الجمركية العالية، مما أحدث تأثيرًا سلبيًا للغاية على المنتجين الأمريكيين الذين لم ينجحوا فى إيجاد سوق بديلة للصين التى تحولت للاستيراد من دول جنوب شرقى آسيا. وقد ساهم مشروع الحزام والطريق الصينى فى زيادة علاقاتها التجارية مع الدول الآسيوية والإفريقية وأمريكا اللاتينية، لتصبح أكبر مصدر تجارى فى العالم وأن تحقق فائضًا تجاريًا قيمته نحو تريليون دولار أمريكى فى عام 2024. وهى فى سباق قوى مع الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء هيمنتها الاقتصادية والتجارية عالميًا، وأن تحل محلها فى المركز الاقتصادى الأول عالميًا بالتعاون مع دول الجنوب العالمى ومع منظمة شنجهاى للتعاون، وتجمع البريكس وغيرها من المجموعات الإقليمية والدولية.

بالرغم من أن الصين لديها سوق محلية ضخمة (1,4 مليار نسمة) يمكن أن تخفف بعض الضغوط عن المصدرين الذين يعانون من الرسوم الجمركية الأمريكية، ولكن قد يعوق ذلك عدم قدرة المستهلكين الصينيين على زيادة إنفاقهم رغم ما يقدم من دعم وحوافز خاصة للسلع المنزلية، مع وجود استياء عام لدى قطاعات كبيرة من الشعب الصينى من أزمة العقارات المستمرة، وفقدان الوظائف. كما أن عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية باستمرارها بنفس المعدلات العالية أو تخفيضها يمثل عقبة أمام الشباب الصينى الذين اعتادوا على أن الصين قوة اقتصادية وتجارية صاعدة. ويعمل الحزب الشيوعى والمسئولين الصينيين على التهوين من الآثار السلبية للرسوم الجمركية الأمريكية العالية على الصادرات الصينية بالقول «إن السماء لن تسقط»، وأن عليهم مواجهة الموقف معًا، وذلك استنادًا إلى أن الصين «أكبر مصنعًا فى العالم»، وأنها مستمرة فى العمل لتصبح أكثر تقدمًا، والاستمرار فى المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية فى مجالات التكنولوجيا، ومصادر الطاقة المتجددة إلى الرقائق الإلكترونية فى الذكاء الاصطناعى.

• • •

التقى الرئيسان الأمريكى والصينى على هذه الخلفية وخلاصتها أن الحرب التجارية بينهما تلحق بكليهما أضرارًا كبيرة وأنه بدلاً من النظر إلى من أكثر تضررًا من الآخر، فالأفضل التوصل إلى التهدئة وتوافقات بينهما لمصلحة كليهما والاقتصاد العالمى. وإذا كانت الصين تسعى لتقليل الخلافات مع واشنطن، فإن الرئيس ترامب يعمل على التوصل إلى اتفاقات تضمن الحصول على المعادن النادرة. وقد وصف ترامب اللقاء بينهما بأنه كان نجاحًا كبيرًا وأنه ينوى زيارة الصين فى أبريل 2026، ذلك لأن الرئيس الصينى سبق أن زار ترامب أثناء ولايته الأولى فى عام 2019، وأن لقائهما فى كوريا الجنوبية لا يعد ردًا لهذه الزيارة. وقال ترامب إن مباحثاتهما أنجزت الكثير من الأمور، مشيدًا بالرئيس الصينى، واعتباره «زعيمًا عظيمًا لدولة قوية جدًا». وتم الاتفاق على عودة الصين لاستيراد فول الصويا الأمريكى، وتصدير المعادن النادرة للسوق الأمريكية، والتوصل إلى اتفاق يتيح للأمريكيين شراء تطبيق «تيك توك» الذى ينظر إليه الأمريكيون على أنه وسيلة صينية للتجسس وتسجيل بيانات الأفراد. والتوصل لاتفاق بشأن تصدير الصين لمادة الفنتانيل للسوق الأمريكية. وأصدر الرئيس ترامب قرارًا ينفذ فورًا بتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 10% لتصبح 47% بدلاً من 57%. وقد أشار الرئيس الصينى إلى أنه من الطبيعى أن تكون هناك احتكاكات بين أكبر اقتصادين فى العالم.

لقيت التهدئة فى الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ارتياحًا كبيرًا فى الأسواق العالمية، وارتفعت مؤشرات الأسهم والعقود الآجلة توقعًا لاحتمالات تخفيف القيود التجارية بينهما.

• • •

ثمة عوامل سياسية تضاف للعوامل الاقتصادية والتجارية الضاغطة على الرئيس ترامب دفعته إلى التراجع وانتهاج أسلوب التهدئة مع الصين، من بينها حالة التوتر السائدة بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى الأمريكيين، وحالة الغضب الشديد من قبل الأقليات والمهاجرين الجدد داخل المجتمع الأمريكى، وانخفاض شعبية الرئيس ترامب وظهور بوادر خلافات داخل الحزب الجمهورى حتى بين قيادات من مؤيدى ترامب. هذا إلى جانب عدم تحقيق ترامب لحلمه بإنجاز تسوية سياسية للحرب الأوكرانية وتأرجحه المستمر بين امتداح الرئيس الروسى بوتين وانتقاده، وخلافات ترامب مع حلفائه الأوروبيين بشأن رؤيته للحل السياسى للحرب الأوكرانية بأن تقديم كييف بعض التنازلات وهو ما يرفضه الأوكرانيون والأوروبيون.

يعتقد ترامب أن تخفيف التوتر مع الصين قد يقلل من تعاونها الاقتصادى والتجارى مع روسيا بشراء كميات كبيرة من البترول والغاز الروسى الذى يعده  دعماً للمجهود الحربى الروسى فى أوكرانيا.

الواقع العملى أن مهما بلغ تقارب ترامب من الصين، فلن يقضى على الاحتقان بينهما، ولن يبعد الصين عن روسيا جارتها وشريكتها فى منظمة شنجهاى للتعاون، وتجمع البريكس، إلى جانب ما تحققه العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية الروسية من مزايا ومكاسب للجانبين وللصين بصفة خاصة.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved