خلطة النظام الثالث

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 11 ديسمبر 2013 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

..وقريبا يدخل المصريون كتاب التاريخ من صفحة جديدة، عنوانها الشعب الذى ثار ثلاث مرات متتالية، ضد ثلاثة أنواع مختلفة من الأنظمة الفاشلة.

دولة مبارك التى أضاعتنا لثلاثة عقود، كانت حاصل جمع الدولة العسكرية التى صادرت نظام الحكم منذ 1952، ودولة رجال الأعمال التى أسس لها مبارك الأب، واستثمرها الابن حتى الثمالة.

وحين أطاح المصريون بالنظام الأول فى فبراير 2011، كان الشعب يتسول العلاج المجانى والتعليم العصرى، ويفقد كل كرامته وإنسانيته على يد أجهزة الشرطة. وكان 32 رجل أعمال من أصدقاء جمال مبارك يملكون 105 شركات، ولعبت العلاقات السياسية دورا أساسيا فى تقييم هذه الشركات بأكثر من قيمتها، كما لاحظ الباحث الأمريكى إسحاق ديوان، من جامعة هارفارد، فى تتويج لزواج نظامى العسكرى والبيزنس.

نظام مبارك لم يضع المواطن بين أولوياته، فأزاحه المواطن فى غضبة يناير.

فى نظام النهضة الإخوانى، انشغل زعماء المقطم بتثبيت أركانهم، واصطدموا فى القاع بأعمدة دولة مبارك، التى حاربتهم تنفيذيا بتعطيل «حركة الدولة»، وإعلاميا بالهجوم المتواصل على دولة المرشد. استمر الفساد المباركى بماكينته الرتيبة، بل زاد فى عهد مرسى بشكل واضح، «لانشغال الإخوان والمعزول بأخونة المؤسسات، وتركوا البلاد فى حالة فوضى»، كما قال قبل أيام مسئول الأموال العامة بوزارة الداخلية.

نظام مرسى لم يكن يضع المواطن بين أولوياته، فأزاحه المواطن فى غضبة يونيو.

أما النظام الثالث الذى يخرج من مخاض 30 يونيو، فتشترك أطراف كثيرة فى صياغته «العسكرية»، لكنه يحمل داخله النظام الأول، إعلاميا واقتصاديا وقمعيا، والنظام الثانى الذى كان فاشيا تحت شعار: موتوا بغيظكم.

الباحثان الأمريكيان شانا مارشال وجوشوا شتيتشر لاحظا أن اقتصاديات الجيوش أصبحت «أسرارا عسكرية» تجنبا لمحاسبة الشعوب. سيطرت الشركة العسكرية فى العصر الحديث على قطاعات اقتصادية لها امكانيات كبيرة للربح، «النقل البحرى والجوى والنفط والغاز، والمشاريع البيئية الصناعية وتوليد الطاقة المتجددة»، طبقا للباحثين اللذين ينفيان عن الجيش تهمة معاداة النيوليبرالية فى الاقتصاد، فقد استفادت منها الشركة العسكرية كثيرا. لكن الشركة العسكرية تريد ضمانات بعدم الاقتراب والتصوير، حتى من محطة البنزين.

الصدام الحتمى بين القيادة المدنية لمصر ما بعد يناير، وبين الجيش لم يحدث كما توقعت سابقا دراسة لمؤسسة كارنيجى الأمريكية، فالقيادات المدنية فى بلدنا نخبة مستأنسة منذ أيام صفوت الشريف، تنسج الآن هذا المزيج الذى يصنع نظامنا «الثالث»، بعد سقوط الشكلين المباركى والإخوانى للدولة، «لكن جوهرها الفرد لا يتبدل».

رجال أعمال يتفرغون الآن لفصل العمال وحصد المكاسب، زاد عددهم بمن انضم إليهم فى زمن المجلس العسكرى أو الإخوان.

نجوم التوك شو الذين كانوا سكرتارية فى أمانة السياسات.

منظمو الحملات الدعائية سابقا ولاحقا لعائلة مبارك، والمستفيدون من التحولات الحالية.

فلول المعارضة المعتقة من زمن مبارك.

إعلاميون صاعدون على جثة هتافات يناير، أصبح من حقهم أن يلطخوا ويصادروا «هوجة يناير» لصالح ثورة يونيو العظيمة، ومواطنيها الشرفاء، الذى لبوا «إشارة من أصبع السيسى»، كما كتب أحدهم، سامحه الله.

فى التاريخ لا تتحرك الشعوب بإشارات الأيدى، بل بمصائر معقدة تعكس مصالحهم وأمانيهم، وأشواقهم للحياة الأفضل. لكن المستفيدين من «خلطة النظام الثالث» لا يضعون الشعب فى الأولويات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved